عنترة ل”إعلام تيفي”: “البرلمانيون رافعة استراتيجية لإنجاح المبادرة الأطلسية”

فاطمة الزهراء ايت ناصر

في سياق التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تعرفها القارة الإفريقية، برزت المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس كإطار استراتيجي متجدد يحمل آفاقًا واعدة لتعزيز التعاون الإقليمي بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي.

فهي لا تقتصر على تقديم رؤية تنموية مندمجة، بل تروم تأسيس فضاء إفريقي جديد قائم على مبادئ التضامن، والتكامل الاقتصادي، والشراكة المتوازنة والعادلة. وفي هذا السياق، يكتسي دور البرلمانيين أهمية محورية في مرافقة هذه الدينامية الاستراتيجية، من خلال الإسهام في التشريع، والترافع، والتنسيق، لضمان ترجمة أهداف المبادرة إلى برامج تنموية ملموسة، تعزز الاستقرار وتخدم رهانات التنمية المستدامة في هذا المجال الحيوي.وقد أكد الباحث الأكاديمي مصطفى عنترة، أن المبادرة الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك تمثل تصورًا استراتيجيًا طموحًا لتقوية التعاون جنوب–جنوب، وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة بالقارة الإفريقية عبر إرساء دعائم تكامل إقليمي فعّال بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي.

وأوضح في تصريح لـ“إعلام تيفي” أن هذه المبادرة الملكية تتجاوز المقاربة الاقتصادية أو الأمنية الضيقة، إذ تؤسس لنموذج إفريقي جديد يقوم على فك الارتباط بالتبعية، وتثمين الموارد الذاتية، وإرساء شراكات متوازنة تعكس أولويات واحتياجات القارة.

وأشار عنترة إلى أن الاجتماع البرلماني رفيع المستوى الذي احتضنه المغرب، والمتمثل في لقاء رؤساء البرلمانات الوطنية للدول الإفريقية الأطلسية، شكّل محطة حاسمة ضمن مسار تفعيل المبادرة، لما أبرز من التقاء إرادات المؤسستين التشريعية والتنفيذية حول ترجمة التوجيهات الملكية إلى مشاريع واقعية قابلة للقياس والتنفيذ.

كما سلط الضوء على الأدوار الاستراتيجية التي يمكن أن يضطلع بها البرلمانيون في بلورة منظومة تشريعية منسجمة مع أهداف المبادرة، وتهيئة البيئة السياسية والاقتصادية الملائمة لتنزيلها.
وأكد الباحث أن هذه المبادرة حظيت بتفاعل إيجابي واسع النطاق، لما تطرحه من إمكانيات كبرى في مجالات الاقتصاد الأزرق، والأمن البحري، والطاقات المتجددة، وتطوير البنية التحتية، وتيسير المبادلات التجارية البينية. وهي دينامية تأتي ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحويل الفضاء الأطلسي إلى رافعة استراتيجية للتنمية، ومجال جيوسياسي مفتوح على فرص واعدة ومتعددة.
وفي هذا السياق، شدد عنترة على أن أدوار البرلمانيين تتجاوز سن القوانين لتشمل كذلك المرافعة على الصعيد الدولي، والتنسيق الإقليمي، ومراقبة التنفيذ. وقال: “إن البرلمانيين يشكلون حلقة وصل أساسية بين الشعوب والحكومات، وهم الأقدر على ضمان احترام مبادئ التضامن والتكامل التي تقوم عليها المبادرة”.
وأضاف أن المشاركة النشطة للبرلمانيين في المحافل الإقليمية والدولية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان الإفريقي، تمكّنهم من الترويج للمبادرة، وتسليط الضوء على أبعادها الجيوسياسية، والعمل على تعبئة دعم دولي أوسع لإفريقيا في مواجهاتها المشتركة.
وفي ذات الإطار، كشف عنترة أن البيان الختامي لهذا الاجتماع، والمعروف بـ”إعلان الرباط”، دعا إلى إحداث شبكة برلمانية إفريقية أطلسية تكون بمثابة آلية مؤسساتية دائمة للتشاور وتنسيق الجهود بين برلمانات الدول الأطلسية الإفريقية.
واعتبر أن هذه الشبكة من شأنها أن توحّد الرؤى، وتواكب تنفيذ المبادرة ميدانيًا، وتعزز التقارب التشريعي بين دول الفضاء الأطلسي.
وأشار الباحث إلى أن الشبكة البرلمانية المقترحة ستضطلع بدور محوري في متابعة أولويات المبادرة، من خلال معالجة قضايا حيوية مثل الأمن البحري، وتيسير التجارة، وتهيئة الإطار القانوني الجاذب للاستثمار في قطاعات استراتيجية كالنقل، والطاقة، والموانئ. كما أكد أن العمل البرلماني لا يتوقف عند التشريع والدعم السياسي، بل يمتد إلى المتابعة والتقييم، بما يتيح قياس أثر المشاريع، وضمان مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم المقترحات اللازمة لتحسين الأداء.

وأوضح عنترة أن المبادرة الملكية تتكامل مع مشاريع إفريقية كبرى مثل منطقة التبادل الحر القارية ومشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، وهو ما يعزز موقعها كمكون استراتيجي في خريطة التنمية الإفريقية. ومن ثم، فإن تسريع ملاءمة التشريعات الوطنية مع هذه الرؤية يفرض مزيدًا من التنسيق والتشاور البرلماني على المستويين الثنائي والجماعي.
واختتم الباحث حديثه بالتأكيد على أن المبادرة تعكس إرادة ملكية راسخة في جعل إفريقيا تعتمد على إمكاناتها الذاتية وتتحول إلى فاعل رئيسي في النظام العالمي الجديد، مذكرًا بكلمة جلالة الملك:

“إن إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها. فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية. ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا.”

وأكد أن انخراط البرلمانيين في هذه المبادرة ليس ترفًا أو خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان نجاحها واستمراريتها، عبر تكامل الأدوار التشريعية، والرقابية، والدبلوماسية البرلمانية، بما يمكن من إرساء أسس تعاون إفريقي أطلسي متين، وبناء قارة قوية، موحدة، وقادرة على الدفاع عن مصالحها في عالم سريع التحول.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى