عن أستاذية المغرب في مجال مكافحة الإرهاب

عبد الفتاح نعوم
من تابع الندوة التي عقدها المكتب المركزي للأبحاث القضائية قبل يومين، سيكتشف قدر ومدى العلمية التي تلتزم بها مؤسسة الأمن المغربية وهي تواجه إحدى أعقد آفات العصر، فالندوة ذات الطابع التواصلي المؤسساتي كانت فرصة كسابقاتها لكي يتم التأكيد على الدقة المنهجية التي تجعل مؤسسة أمنية تواجه تهديدات قائمة أو محتملة بمنطق الحق والعدل.
وعلاوة على ذلك، فإنه لا توجد مؤسسة أمنية في العالم تواجه آفة الإرهاب بإخلاص وجدية وتجرد ونزاهة كما تفعل المؤسسة الأمنية المغربية، ذلك أن الكفاءة التقنية والبشرية والعملياتية قد تتفاضل فيها المؤسسات حسب الظروف وحجم التهديدهات، لكن العوامل الأربعة السالفة الذكر تبقى ميزات حصرية للمؤسسة الأمنية المغربية.
فمعظم الدول البارزة في مجال مكافحة الإرهاب قد ينزاح عقلها الأمني/السياسي نحو رؤية للظاهرة تحيد عن تلك العوامل، ولذلك تتحول صفة الإرهاب إلى تهمة جاهزة لوصف أي شيء سواء أكان حزبا سياسيا معارضا أم جماعة انفصالية أم تيارا فكريا غير مرضي منه، وما إلى ذلك من النماذج.
وخطورة هذا الانزياح هو أنه يتسبب في الحيلولة دون الرؤية الدقيقة والموضوعية للمشكلة بعيدا عن أي تحيز سياسي أو ايديولوجي أو حتى نفسي؛ من شأنه أن يخلط الظاهرة بما لا ينبغي أو عدم القدرة على ضبط التداخلات الموضوعية والذاتية بينها وبين الظواهر الأخرى.
ولذلك لم يصنف المغرب انفصاليي بوليساريو كتنظيم ارهابي، لكنه لا ينفك يؤكد الصلات الدقيقة بين الارهاب والانفصال، بالرغم من أنه يمتلك عشرات الأسباب ليصفه بالارهاب، بيد أن المغرب اختار الارتكان إلى المبادئ الأربعة المشار إليها. فالهدف هو تجفيف منابع المشكل وليس استثماره كعنوان.
يبدو إذن أن العقيدة الأمنية المغربية حيال الإرهاب مختلفة تماما عن مثيلتها حتى لدى أصدقاء المغرب وشركائه، ولذلك تكرست أستاذية المغرب ومناقبيته في هذا المجال، خصوصا حينما يجري التعمق في المفهوم الثلاثي الأبعاد الذي يركز عليه المغرب لدى أي حديث بهذا الشأن.
فالإرهاب ينشط وينمو انطلاقا من هندسة تنظيمية مبنية أولا على التضامن العضوي بين المجاميع الإرهابية وبينها وبين باقي عصابات الجرائم الاخرى، وثانيا على وحدة جيوسياسية عابرة للتقسيمات المناطقية، وثالثا على آيديولوجيا ينبغي الاشتباك معها فقهيا وعقديا وإدماج حامليها ضمن النسق الحقوقي.
وإلى جانب هذا وذاك، فالمغرب لا يقلل من حجم المشكلة لأي اعتبار كان، حتى ولو كان هو بصدد التحضير لتظاهرات عالمية وقارية ويعمل منذ سنوات على بناء نهضة استثمارية وصناعية مالية صاعدة، وعلى العكس من ذلك فإن المبادئ الأربعة إياها هي التي تجعله يعلن حجم التهديد الذي يستهدفه من هذه الآفة.
إنها الثقة والتمكن من المفهوم الذي انتجه المغرب حول الظاهرة، وهي الثقة نفسها في قدرة المغرب على ملاحقة تلك الظاهرة على نحو استباقي، بقدر التمكن من تفاصيلها، وهي الثقة نفسها التي اكتسبها المغرب عالميا سواء حينما يصف المشكلة وخطورتها، أو حينما يتحدث عن قدراته وأسلوبه في مواجهتها.