فاتح ماي 2025..عيد الشغل في المغرب بين رمزية الماضي وواقع العزوف

فاطمة الزهراء ايت ناصر
مرّ عيد الشغل هذا العام في المغرب في أجواء باهتة، تسودها علامات التراجع والنفور من الفعل النقابي. فرغم تمسك النقابات العمالية بالمواقع التاريخية المعتادة للاحتفال في العاصمة الرباط، وبالمسارات التقليدية لمسيراتها، إلا أن المشهد العام عكس احتفالات محتشمة وباردة، خالية من الزخم الذي كان يطبع هذه المناسبة في عقود سابقة.
فريق “إعلام تيفي“، خلال جولة على أبرز المنصات والمقرات النقابية بالعاصمة، عاين غياباً ملحوظاً للعمال والأجراء، الذين فضل كثير منهم قضاء عطلتهم في أنشطة شخصية أو يوم للراحة، عوض المشاركة في احتفالات فاتح ماي.
كانت الحشود محدودة، والهتافات خافتة، والشعارات متكررة بلا روح، كما لو أن النقابات تستحضر واجب الحضور أكثر مما تؤمن بجدواه، ومنهم من فضل الجلوس في المقاهي عوض المشاركة في المسيرة ورفع الشعارات.
هذا الفتور لم يكن مجرد صدفة موسمية، بل جاء ليؤكد ما سبق أن كشفته المندوبية السامية للتخطيط، التي أشارت في مذكرة حديثة إلى أن %97,3 من النشيطين المشتغلين في المغرب غير منخرطين في أي نقابة أو منظمة مهنية. وهي نسبة صادمة تُبرز حجم الهوة بين النقابات والقاعدة التي يُفترض أن تمثلها.
النسبة ترتفع أكثر في الوسط القروي، وتكاد تكون متقاربة بين الرجال والنساء، في دلالة على شمولية هذا العزوف، الذي لم يعد مقتصراً على فئة أو قطاع بعينه.
حتى في صفوف المستأجرين، وهم الفئة الأكثر ارتباطاً تقليدياً بالنقابة، بلغت نسبة عدم الانخراط %96,1، وهو ما يطرح أسئلة حارقة حول دور النقابات في المشهد الاجتماعي اليوم.
وتعزو بعض التحليلات هذا العزوف إلى عدة عوامل، منها ما هو داخلي مرتبط بترهل البنية النقابية، وتكرار نفس الخطابات والوجوه القيادية دون تجديد أو تطوير في آليات الاشتغال، ومنها ما هو خارجي، حيث تُتهم الحكومة باتباع سياسات تُضعف الفعل النقابي، سواء عبر تجاهل مأسسة الحوار الاجتماعي، أو عبر تغليب المقاربة التقنية في التعاطي مع الملفات الاجتماعية.
وفي ظل هذه الدينامية الباهتة، غاب قادة النقابات الكبرى عن احتفالات الرباط، ما أضعف رمزية العاصمة كمركز للثقل النقابي، وأعطى الانطباع بأن الاحتفال لم يكن سوى واجباً شكلياً.
وخلّدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عيد الشغل، فاتح ماي 2025، بمسيرة بالدار البيضاء، رفعت خلالها شعارات غاضبة ضد السياسات الحكومية، مطالبة بإلغاء التعاقد، وإصلاح الحوار الاجتماعي، ورفض القانون التنظيمي للإضراب.
وفي كلمة بالمناسبة، انتقد نائب الكاتب العام، خالد هوير العلمي، تصريحات الحكومة حول الحوار الاجتماعي، واصفاً إياها بـ”المضللة”، مؤكداً أن المخططات الحكومية تفتقر للشرعية الاجتماعية والديمقراطية، وتُجهز على مكتسبات الطبقة العاملة.
وشارك في المسيرة عمال وعاملات من قطاعات متعددة، إلى جانب ممثلين عن أحزاب سياسية من ضمنها الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي.
خلّد الاتحاد الكونفدرالي المحلي بزايو، التابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بتنظيم تجمع خطابي ومسيرة حاشدة جابت شوارع المدينة، رُفعت خلالها شعارات تطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية.
وعبر المشاركون عن استيائهم من تدهور الأوضاع في زايو، خاصة تفشي البطالة، وغياب التدبير الجيد للمرافق، منتقدين حالة “اللامحاسبة” رغم وجود تقارير ترصد خروقات في تسيير الشأن المحلي.
ووجّه المتدخلون انتقادات حادة للحكومة بسبب ما وصفوه بتراجعها عن التزاماتها تجاه الشغيلة، خاصة فيما يتعلق بتحسين ظروف العمل، الزيادة في الأجور، وضمان الحريات النقابية. ودعوا إلى تعزيز التعبئة النقابية من أجل الدفاع عن الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وشهدت شوارع مدينة فاس صباح اليوم مسيرات عمالية محتدمة، طغى عليها مطلب تحسين الأوضاع المعيشية ومناهضة القانون التنظيمي للإضراب، في مشهد يعكس حجم الاحتقان الاجتماعي المتزايد.
ورفعت النقابات المشاركة شعارات قوية تندد بارتفاع تكاليف الحياة وتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من الأسر المغربية، مؤكدة أن الوضع الاجتماعي بلغ مستويات مقلقة تتطلب تدخلاً عاجلاً.
كما كان قانون الإضراب حاضراً بقوة في الخطابات والشعارات، حيث عبرت النقابات عن رفضها لما أسمته “قانوناً تكميمياً” يقيد حق العمال في الاحتجاج السلمي.
وفي خضم الجدل القائم، أعلنت الحكومة يوم الأربعاء 30 أبريل 2025 عن شروعها في صرف الشطر الثاني من الزيادة العامة في الأجور، والتي تبلغ 500 درهم، ابتداءً من يوليوز المقبل، وذلك في إطار مواصلة تنفيذ التزاماتها الاجتماعية المنبثقة عن اتفاقي أبريل 2022 و2024. وتهدف هذه الإجراءات، وفق ما أكدته الحكومة، إلى تعزيز الحماية الاجتماعية لفئات واسعة من الأجراء والمتقاعدين.
وجاء في بلاغ رسمي، صدر عقب لقاء جمع الحكومة بالنقابات الأكثر تمثيلية إلى جانب الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لصرف الشطر الأول من الزيادة العامة في الأجور (1000 درهم موزعة على مرحلتين) الذي تم تنفيذه في يوليوز 2024.
وبالنسبة للقطاع الخاص، تقررت زيادات جديدة في الحد الأدنى للأجور بنسبة 5%، من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ على دفعتين خلال شهري يناير وأبريل من سنة 2026، في أفق توحيد الحد الأدنى القانوني للأجور بين مختلف القطاعات مع حلول عام 2028.
وحسب توضيحات الحكومة، فإن الشطر الأول من الزيادة شمل الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين لم يستفيدوا من مراجعة سابقة في الأجور، وبلغت الكلفة المالية لهذا الإجراء 45,7 مليار درهم حتى سنة 2026.
كما رصدت الحكومة اعتمادات مالية هامة لدعم قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والتعليم العالي، بتخصيص ميزانيات تصل إلى 17 مليار درهم، و2 مليار درهم، و3,5 مليار درهم على التوالي، في مسعى لرفع متوسط الأجر الصافي الشهري في القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول 2026، مقارنة بـ8.237 درهم المسجل في 2021، ورفع الحد الأدنى من 3.000 درهم إلى 4.500 درهم.
وفي ما يخص الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، تم رفعه بنسبة 15% في الأنشطة غير الفلاحية (SMIG) ليصل إلى 3.046,77 درهم شهرياً، بزيادة تعادل 408,72 درهم، فيما ارتفع الحد الأدنى في القطاع الفلاحي (SMAG) بنسبة 20% ليبلغ 2.255,27 درهم، أي بزيادة شهرية قدرها 395,48 درهم.
ويحل عيد الشغل هذه السنة في أجواء مثقلة بالاحتقان واليأس، حيث يعيش العمال المغاربة تحت وطأة غلاء مستفحل وتراجع غير مسبوق في القدرة الشرائية، وسط صمت نقابي بات مقلقاً.
فبدل أن يكون هذا اليوم لحظة احتفاء بالكرامة العمالية، تحوّل إلى ذكرى باهتة تُفضح خلالها هشاشة السياسات الحكومية التي واصلت ضرب الطبقة المتوسطة وسحق الفئات الهشة، بينما تُقدَّم الأزمات الدولية كذرائع لتبرير اختيارات اقتصادية لا تراعي العدالة الاجتماعية ولا تحمي السلم المجتمعي.
في هذا السياق، أصبحت النقابات شبه غائبة عن واجبها التأطيري، مكتفية بخطابات موسمية لا توازي حجم المعاناة اليومية للمواطنين. أما الحكومة، فتمضي في تنفيذ قرارات تقشفية تُثقل كاهل الأسر وتُجهز على ما تبقى من مكتسبات اجتماعية، في ظل غياب حماية اجتماعية حقيقية أو رؤية اقتصادية عادلة.