حليم صلاح الدين ل”إعلام تيفي”: مدونة الأسرة محطة انتقالية والمرأة المغربية تخطّت النص القانوني

حسين العياشي
في الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، تعود قضية المرأة المغربية إلى الواجهة، ليس فقط من بوابة المكتسبات المحققة، بل أيضًا عبر الأسئلة الجديدة التي يطرحها الحراك المجتمعي. في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع الباحث في العمل البرلماني والفاعل المدني، حليم صلاح الدين، الذي يقدّم قراءة تركيبية لوضعية المرأة قبل وبعد 2004، ويتحدث عن الحاجة الملحّة لتعديل مدونة الأسرة.
بداية، كيف ترصدون وضع المرأة المغربية قبل اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وما الذي تغيّر بعد ذلك؟
من دون مواربة، أقول إن ما عرفته المرأة المغربية خلال عهد جلالة الملك محمد السادس هو “ثورة هادئة”. صحيح أن البوادر الأولى لتحسين وضعية المرأة بدأت في السنوات الأخيرة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة مع مقولته الشهيرة: “النساء شقائق الرجال في الأحكام والحقوق وحتى في الوطنية”. لكن التحول الحقيقي جاء مع الجيل الجديد من الإصلاحات التي أطلقها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999.
قبل هذه الحقبة، كانت المرأة تحت وصاية نصوص قانونية تعتبرها مواطنة من الدرجة الثانية، بدءًا من الولاية الإجبارية في الزواج، مرورًا بانفراد الزوج بحق الطلاق، ووصولًا إلى تعدد الزوجات الذي كان يتم دون علم الزوجة الأولى. كل ذلك تغيّر مع إطلاق ورش مدونة الأسرة، الذي انطلق بإشراف ملكي مباشر سنة 2001، وتم تتويجه بنص قانوني سنة 2004 مثّل آنذاك لحظة تاريخية بكل المقاييس.
هل كان لهذه المدونة أثر فعلي في تحسين وضع المرأة؟
دون شك. قانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة أنهى عهدًا طويلًا من الحيف القانوني. منح المرأة حقًّا مشتركًا في تدبير الأسرة، وقيّد التعدد، ووسّع دائرة الطلاق القضائي بدل الانفراد به. كما تم إحداث صندوق التكافل العائلي قبل صدور المدونة، في إشارة واضحة على الأثر العملي للإصلاحات.
هذا المسار يُحسب للملك محمد السادس، الذي لم يتردد في وصف لحظة المصادقة على المدونة بـ”اللحظة التاريخية”، داعيًا النواب والفاعلين إلى الارتقاء إلى مستوى هذا التحول.
لكن بعد 20 عامًا، هل لا تزال هذه المدونة تواكب التحولات المجتمعية؟
هذا هو السؤال الجوهري اليوم. لقد تغيّر المجتمع المغربي كثيرًا منذ 2004، سواء من حيث تمثل المواطنين للحقوق والحريات أو من حيث أدوار النساء داخل الأسرة والمجتمع. لذلك أقول: نعم، لقد تجاوزنا نص المدونة الحالي. أصبح من الضروري تحديثه، لا فقط لمجاراة التطورات الاجتماعية، بل أيضًا لترسيخ القيم الدستورية التي جاءت مع دستور 2011، وعلى رأسها المساواة والمناصفة.
ولعل ما يبعث على الاطمئنان هو أن الورش الملكي الجديد لتعديل المدونة يُدار بشكل تشاركي حقيقي، حيث استقبلت الهيئة المكلفة مختلف مكونات المجتمع المدني، بما فيها جمعيات نسائية، وأنا شخصيًا حظيت بشرف الإدلاء بمقترحاتي ضمن هذا المسار.
في تقديركم، ما أبرز المطالب المُلحّة التي ينبغي أن يتضمنها النص الجديد؟
هناك ملفات لا يمكن تأجيلها، على رأسها: المنع الكلي لتزويج القاصرات، إقرار الولاية القانونية المشتركة على الأبناء، تقييد تعدد الزوجات بشكل أكثر صرامة، ضمان العدالة في تقسيم الممتلكات بعد الطلاق، وإثبات النسب عبر الخبرة الجينية، إضافة إلى مراجعة قانون الشغل بما يحمي حقوق العاملات، والمساواة في الأجور، والتصدي للتحرش بكل أشكاله.
هل أنتم متفائلون بمخرجات هذا الورش؟
أنا متفائل بحذر. الثقة موجودة في الإرادة الملكية، وأيضًا في نضج جزء كبير من المجتمع. لكن التحدي يكمن في مدى تجرؤ التشريع الجديد على القطع مع بعض بقايا العقلية التقليدية، التي لم تعد تنسجم لا مع الواقع ولا مع تطلعات النساء المغربيات. الأهم أن يكون النص الجديد منصفًا، عادلًا، ومتقدّمًا، يليق بالقرن الحادي والعشرين، ويُشكّل أساسًا لمجتمع المساواة، كما نص عليه الفصل 19 من الدستور.
المرأة المغربية، في كلمة أخيرة..
المرأة المغربية ليست فقط ضحية منظومة قديمة، بل هي أيضًا فاعل أساسي في التغيير. والتنمية لا يمكن أن تمضي قدمًا إلا برجل وامرأة يسيران جنبًا إلى جنب. وقد آن الأوان لنُفعّل هذه القناعة في قوانيننا، مؤسساتنا، وثقافتنا.