قانون مالية 2026: بين طموح “المغرب الصاعد” وضيق الزمن السياسي

رشيد الساري عن المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة
في خضم سياق دولي مضطرب، وفي سنة سياسية حاسمة تسبق نهاية ولاية الحكومة، جاء مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليحمل وعوداً كبيرة، وأرقاماً طموحة، ورؤية ملكية واضحة نحو مغرب أكثر عدالة، إنتاجية، واندماجاً مجالياً. لكن هل تكفي سنة واحدة لتحقيق هذا الزخم؟ وهل تملك الحكومة ما يكفي من أدوات التنفيذ؟ لنغوص في التفاصيل.
الجزء الأول: قراءة في الأولويات الأربع الكبرى
1. توطيد المكتسبات الاقتصادية
– معدل نمو متوقع: 4.8%، مدفوع بانتعاش الطلب الداخلي والأنشطة غير الفلاحية.
– التحكم في التضخم: 1.1% في غشت 2025.
– عجز الميزانية: 3.5% من الناتج الداخلي الخام.
– دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة عبر آلية جديدة للمساعدة التقنية والمالية.
– تفعيل عرض المغرب للهيدروجين الأخضر، وتسريع تنزيل ميثاق الاستثمار.
ملاحظة: هذه المؤشرات تعكس تحسناً ملحوظاً مقارنة بسنة 2025، التي سجلت نمواً أقل وتضخماً أعلى نسبياً، لكنها تبقى رهينة بفعالية التنفيذ في ظرف زمني ضيق.
2. التنمية المجالية المندمجة
– إطلاق برامج جديدة ترتكز على الخصوصيات المحلية والجهوية المتقدمة.
– تخصيص عناية للمناطق الهشة (الجبال، الواحات، السواحل).
– ميزانية الصحة والتعليم: 140 مليار درهم، مع إحداث 27.000 منصب مالي.
– مشاريع صحية ضخمة: افتتاح مستشفيات جامعية بأكادير والعيون، وتأهيل 90 مستشفى.
ملاحظة: هذا التحول المجالي يعكس إرادة سياسية قوية، لكنه يتطلب تنسيقاً ترابياً دقيقاً، وتعبئة محلية حقيقية لضمان الاستدامة.
3. ترسيخ الدولة الاجتماعية
– دعم مباشر لـ 4 ملايين أسرة.
– رفع إعانات الأطفال إلى 50–100 درهم شهرياً.
– تعميم التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل.
– استمرار دعم اقتناء السكن الرئيسي.
ملاحظة: هذا الورش الاجتماعي هو امتداد لسياسات 2025، لكنه يكتسب زخماً أكبر في 2026، مما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي في التعميم والعدالة التوزيعية.
4. الإصلاحات الهيكلية والمالية
– إصلاح القانون التنظيمي للمالية نحو حكامة قائمة على النتائج.
– إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتحسين مردوديتها.
– تحديث القضاء وتقريب العدالة من المواطن.
ملاحظة: هذه الإصلاحات تمثل العمود الفقري لأي تحول مؤسسي، لكنها تتطلب توافقاً سياسياً وتشريعياً واسعاً، يصعب تحقيقه في سنة انتخابية.
الجزء الثاني: نقد استراتيجي… هل تكفي سنة واحدة؟
رغم الطموح الكبير، يطرح المشروع عدة إشكاليات:
– ضيق الزمن السياسي: سنة واحدة لا تكفي لتفعيل أوراش بهذا الحجم، خاصة في ظل تعقيدات المساطر الإدارية، وضعف التنسيق بين القطاعات.
– تعدد الأوراش وتشتت التركيز: من الصحة والتعليم إلى الهيدروجين الأخضر، مروراً بالحماية الاجتماعية… هل تملك الحكومة القدرة على ضبط الأولويات؟
– ضعف البنية التنفيذية: غياب آليات واضحة للتتبع والتقييم، ومحدودية الموارد البشرية المؤهلة، قد تعرقل التنفيذ.
– سنة انتخابية محفوفة بالحسابات: هل ستغلب الحكومة منطق الإنجاز أم منطق الترويج السياسي؟
مقارنة مع قانون مالية 2025: الأخير كان أكثر تحفظاً، ركز على الاستقرار المالي، بينما قانون 2026 يراهن على التحول. لكن التحول يحتاج وقتاً، تعبئة، وجرأة في اتخاذ القرار.
الجزء الثالث:استشراف وتوصيات
إذا أرادت الحكومة أن تترك بصمة حقيقية قبل نهاية ولايتها، فهذه بعض التوصيات:
1. تحديد أولويات قابلة للتنفيذ
– التركيز على 3–4 مشاريع ذات أثر مباشر وسريع (الصحة، التعليم، دعم المقاولات، الحماية الاجتماعية).
– تجنب التوسع المفرط في البرامج دون ضمانات تنفيذ.
2. تعبئة الفاعلين المحليين
– إشراك الجماعات الترابية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص في تنزيل البرامج.
– اعتماد مقاربة تشاركية في إعداد وتنفيذ البرامج المجالية.
3. تعزيز الشفافية والتواصل
– نشر تقارير دورية حول تقدم المشاريع.
– تفعيل منصات رقمية لتتبع الميزانية والبرامج.
4. تحفيز الشباب والنساء سياسياً
– تفعيل الدعم الانتخابي للشباب دون 35 سنة.
– تخصيص دوائر جهوية للنساء، وتبسيط شروط الترشح.
في الأخير يجب التأكيد على أن مشروع قانون مالية 2026 ليس مجرد أرقام، بل إعلان نوايا لمغرب يريد أن يصعد، أن يبتكر، وأن يحقق العدالة. لكن النجاح لا يقاس بالبلاغات، بل بالنتائج على الأرض. أمام الحكومة سنة واحدة… فإما أن تترك بصمة، أو أن تكتفي بالوعود.
الكرة الآن في ملعب الفاعلين السياسيين، المؤسسات، والمجتمع المدني. فلنغتنم الفرصة… لأن مغرب الغد يبدأ اليوم.