كيف تؤثر سياسة ترامب الجمركية على الاقتصاد العالمي والمغربي؟

فاطمة الزهراء ايت ناصر

تسببت الحرب التجارية التي أطلقها دونالد ترامب في هزة عنيفة للأسواق العالمية، إذ انهارت بورصات الخليج الأحد، وتبعتها الأسواق الآسيوية الإثنين، حيث تراجعت هونغ كونغ بأكثر من 12%، وطوكيو بنحو 8%، وسول بـ5.6%، ما أدى إلى افتتاح البورصات الأوروبية على انخفاض حاد.

تأثير قرارات ترامب على الأسواق العالمية والمحلية 

أكد المحلل الاقتصادي خالد أشيبان أن الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم تأثير قرار رفع الرسوم الجمركية على الأسواق العالمية، مشيرًا إلى أن التأثير على كلفة الاستيراد سيكون أحد أبرز النتائج المحتملة لهذه القرارات. وأوضح أن ما حدث في الأسواق المالية في الآونة الأخيرة كان متوقعًا، لأن تحركات الأسواق تعتمد بشكل كبير على المعلومات المتوافرة. وأشار إلى أن الأسواق تتفاعل بشكل إيجابي مع المعلومات التي توحي بالتفاؤل، بينما تؤدي المعلومات غير الواضحة إلى حالة من الترقب والقلق، مما يؤثر سلبًا على المستثمرين.

وكشف أشيبان ل”إعلام تيفي” أن هذا الوضع دفع المستثمرين إلى الانسحاب من الأسواق بسبب مخاوفهم على أموالهم، مما أدى إلى انخفاض الأسعار في الأسواق المالية العالمية. ومع ذلك، أضاف أن البورصة المغربية لن تتأثر بشكل كبير من هذه التطورات، حيث أن السوق المغربي غير مرتبط بالشركات العالمية الكبرى، وبالتالي لا يشكل جزءًا كبيرًا من حركة الأسواق العالمية.

وأوضح أن التأثير الفعلي على الاقتصاد المحلي سيكون من خلال ارتفاع الأسعار، خاصة أن المغرب يستورد العديد من المواد الضرورية، وبالتالي فإن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات قد ترفع تكاليف هذه المواد على السوق المحلي. ومع ذلك، أكد أشيبان أن حجم التأثير لا يمكن تحديده بشكل دقيق في الوقت الحالي، نظرًا لأن التأثير النهائي سيعتمد على ردود فعل الدول تجاه قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأضاف أن هناك تساؤلات حول ما إذا كان ترامب جادًا في تنفيذ هذه القرارات، أم أنه يستخدمها كأداة للضغط على شركائه التجاريين بهدف إبرام صفقات تضمن مصالحه الخاصة. وقال إن هذه التحركات قد تهدف إلى جمع الدول حول طاولة المفاوضات لتوقيع اتفاقيات، ثم قد يتم سحب هذه الرسوم الجمركية أو جعلها دائمة، مشيرًا إلى أن الجميع في حالة من الترقب لمعرفة تطورات هذا الملف.

وفي نفس السياق أوضح المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن التأثير سيكون محدوداً جداً، إذ أن حجم الصادرات المغربية نحو أمريكا لا يتجاوز 1.9 مليار دولار، في حين بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 7.2 مليار دولار، مما يعني أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من هذه العلاقة.

وأشار ل”إعلام تيفي” إلى أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة لا تخدم البلدين بشكل متوازن، موضحاً أن المغرب لا يصدر الفوسفاط إلى الولايات المتحدة ضمن الاتفاقية، بل يخضع لرسم جمركي نسبته 25%. وهنا طرح ساري تساؤلاً حول ما إذا كانت الزيادة الجديدة بـ10% التي تحدثت عنها أمريكا ستُطبق فوق الرسوم الأصلية، أم سيتم دمجها فيها، معتبراً أن الغموض يلف تعامل واشنطن مع رفع الرسوم الجمركية.

واعتبر أن الولايات المتحدة تستغل هذه الأزمات لممارسة الضغط على الدول من أجل تحقيق مكاسب أكبر، أكثر من سعيها الفعلي إلى رفع الرسوم الجمركية، محذراً من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية حقيقية بالنسبة للدول الأوروبية والآسيوية، التي تعتمد بشكل كبير على التصدير للسوق الأمريكية.

قرارات ترامب تعيد سيناريو 2020

وأكد المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن التقلبات التي تعرفها البورصات العالمية في الفترة الأخيرة ليست مفاجئة، بل بدأت مؤشراتها في الظهور منذ 15 فبراير من السنة الجارية، حيث سجلت عدة بورصات عالمية ما وصفه بـ”المخيفات”، لكنها كانت مترافقة بحذر شديد، خاصة وأن التوقعات حينها كانت تميل إلى اعتبار أن التحركات مجرد تهديدات مؤقتة. غير أن تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة أكدت العكس، حسب تعبيره.

وكشف ساري ل”إعلام تيفي”  أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عجز تجاري كبير، حيث تفوق وارداتها بشكل ملحوظ صادراتها، وضرب أمثلة بدول تستفيد من هذا الوضع، مثل المكسيك التي تحقق فائضاً تجارياً يصل إلى 460 مليار دولار، وألمانيا بـ146 مليار دولار، إضافة إلى اليابان وفيتنام اللتين تُعدّان من أكبر المصدرين نحو السوق الأمريكية.

وأوضح أن الرئيس الأمريكي يرى أن بلاده تتحمل عبء الحماية العسكرية والاستراتيجية لأوروبا دون أن تستفيد اقتصادياً من هذه العلاقة، بل على العكس، تتحمل أعباء إضافية. واعتبر أن قرار فرض الرسوم الجمركية لم يكن مفاجئاً، بل يعكس توجهاً قديماً للرئيس ترامب، الذي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بفرض هذه الرسوم على الدول التي تستفيد من السوق الأمريكية، على رأسها الصين وأوروبا.

وأشار ساري إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة، والتي تضمنت إشارات إلى إمكانية التفاوض، جاءت بعد اتصالات مع أكثر من خمسين زعيماً أوروبياً وآسيوياً، مما قد يفهم على أنها محاولة للضغط بهدف إبرام اتفاقيات جديدة لصالح الولايات المتحدة. وأضاف أن هذه التحركات تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت سوقاً استهلاكية ضخمة، في حين أن العديد من الدول الشريكة تحقق فائضاً تجارياً واضحاً معها.

ولفت إلى أن الضرر الأكبر من هذه الإجراءات قد لا يطال الاقتصاد الأمريكي مباشرة، بل سيصيب الدول التي تصدر بشكل كبير للسوق الأمريكية، كما أن المستهلك الأمريكي قد يتأثر بارتفاع معدل التضخم، نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة.

وختم بالقول إن الوضع الحالي يعيد إلى الأذهان ما عاشه العالم سنة 2020، لكن هذه المرة، التهديد قادم من الولايات المتحدة نفسها، عبر قرارات محمية برؤية استراتيجية تسعى لتعزيز استهلاك المنتوج المحلي على حساب الشركاء التجاريين.

قرار ترامب يعيد ذكريات الحرب العالمية الأولى

أكد بدر زاهر، المحلل الاقتصادي، أن التأثير الذي أحدثه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية كان متوقعًا منذ اليوم الأول، مشيرًا إلى أن البورصة مرتبطة بشكل وثيق بأداء الشركات العالمية. وأوضح أن الشركات العالمية تعتمد في نشاطها على الأسواق الحرة والنظام التجاري القائم على التعريفات الجمركية المتبادلة بين الدول.

وقال في تصريح ل”إعلام تيفي” إن السياسات الحمائية، التي يسعى ترامب إلى تطبيقها، كانت دائمًا أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى أزمات اقتصادية عالمية، مستشهدًا بحرب عالمية أولى كانت إحدى نتائجها.

وكشف زاهر أن السياسات الحمائية عادة ما تؤدي إلى ركود اقتصادي، مشيرا إلى أن العالم مرّ بأزمات اقتصادية كبيرة في السابق بسبب تطبيق هذه السياسات، مثل أزمة الكساد العظيم التي عصفت بالعالم بعد الحرب العالمية الأولى. وأضاف أن العالم اليوم في مواجهة أزمة مشابهة، موضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية، كونها أكبر مستورد وأكبر مُصدر، ستكون أكثر الأطراف تأثرًا من هذه السياسات.

وأكد زاهر أن القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، حيث أن معظم الشركات في العالم، بما في ذلك الشركات الأمريكية، ستتعرض لخسائر كبيرة. وأضاف أن تأثير القرار قد يكون ملحوظًا في الأسواق العالمية، بما فيها بورصات الدول الكبرى، موضحًا أن بورصة الدار البيضاء في المغرب تأثرت بشكل واضح من هذه السياسات، وهو ما يعكس الارتباط الكبير للأسواق المغربية بالأسواق العالمية.

وأشار إلى أن أسعار الذهب والنفط شهدت انخفاضًا كبيرًا، وهو ما يراه بمثابة علامات على التوجه نحو ركود اقتصادي عالمي، في وقت لا تزال فيه بعض الدول تكافح للخروج من أزمات سابقة مثل أزمة 2008 أو أزمة الجائحة العالمية أو الأزمة التضخمية الأخيرة.

وأوضح زاهر أنه رغم الخسائر التي سجلتها البورصات العالمية، فإن هناك ترقبًا كبيرًا في الأوساط الاقتصادية لمعرفة ما إذا كان الرئيس الأمريكي سيعدل من قراراته، خاصة بعد أن تقدمت خمسون دولة بطلب لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة القرارات الخاصة بالرسوم الجمركية. وتساءل زاهر عن مستقبل هذه القرارات وتأثيرها على أداء الأسواق خلال الأيام المقبلة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الضبابية في توقعات الأسواق في الوقت الراهن.

وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في خطوة جديدة ضمن سياسته التجارية، فرض رسوم جمركية متبادلة على مجموعة من الدول في يوم الأربعاء الماضي، وذلك في إطار سعيه لحماية الاقتصاد الأمريكي وتعزيز شعار “أمريكا أولاً”. وشملت هذه الرسوم مجموعة واسعة من الدول، بما في ذلك المغرب الذي فرضت عليه بنسبة 10%، وهي نسبة تُعتبر من بين الأدنى بين مجموعة الدول المستهدفة. في المقابل، ترافقت هذه القرارات مع رسوم أعلى على دول مثل الجزائر (30%) و تونس (28%) و الصين (34%).

وتواصل التجارة بين المغرب و الولايات المتحدة تطورها بشكل ملحوظ، حيث تُظهر البيانات التجارية لعام 2023 أن قيمة صادرات المغرب إلى الولايات المتحدة بلغت 1.6 مليار دولار أمريكي، مشيرة إلى استقرار نسبي في معدلات الصادرات بالمقارنة مع السنوات الماضية. ورغم وجود بعض التقلبات في القطاعات المختلفة، تبرز بعض المنتجات الرئيسية التي تؤثر بشكل كبير على التبادل التجاري بين البلدين.

ورغم أن صادرات المغرب إلى الولايات المتحدة شهدت معدل نمو سنوي ضئيل بنسبة 0.076% خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن هذا الاستقرار يعكس فعالية الاتفاقيات التجارية القائمة وتنوع المنتجات المصدرة. فقد بلغت صادرات المغرب إلى الولايات المتحدة في 2018 نفس القيمة تقريبًا، ما يعكس الاستمرارية في هذا التبادل التجاري الهام.

على الجانب الآخر، تواصل الصادرات الأمريكية إلى المغرب تسجيل نمو ملحوظ. ففي عام 2018، بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى المغرب حوالي 6.12 مليار دولار أمريكي، مع معدلات نمو سنوي تصل إلى 7.08% مقارنة بالسنوات السابقة. ومن أبرز المنتجات الأمريكية التي يتم تصديرها إلى المغرب غاز البترول الذي بلغت قيمته 1.73 مليار دولار أمريكي، يليه فحم الكوك بقيمة مليار دولار أمريكي، وأجزاء الطائرات التي بلغت 856 مليون دولار أمريكي.

وبلغت قيمة المعاملات التجارية المغربية الأمريكية 73.01 مليار درهم بما حصته 6,4 في المائة من مجموع المبادلات مع مجمل دول القارة الأمريكية؛ في وقت حققت الواردات المغربية من أمريكا 60.31 مليار درهم (8,4 في المائة)، مقابل 12.69 مليار درهم كقيمة صادرات مغربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما يمثل نسبة 3 في المائة.

وسجل الميزان التجاري الثنائي “رصيدا سلبيا” للمبادلات التجارية المغربية–الأمريكية بلغ متم عام 2023 “ناقص 47.62 مليار درهم”، وفق الإحصائيات الرسمية للتجارة الخارجية للمغرب؛ بينما استقر معدل تغطية الصادرات للواردات بين المغرب والولايات المتحدة عند 21 في المائة.

يقوم الرسم البياني اسفله بمقارنة التجارة بين المغرب والولايات المتحدة حسب المنتج، مع الأخذ في الاعتبار المنتجات التي يتم تداولها بين كل من المغرب والولايات المتحدة.

خلال عام 2023، كان لدى المغرب تجارة صافية كبيرة مع الولايات المتحدة في صادرات الالات (421 مليون دولار)، والمنسوجات (282 مليون دولار)،والمنتجات الكيميائية  (239 مليون دولار).

خلال عام 2018، كان لدى الولايات المتحدة تجارة صافية كبيرة مع المغرب في صادراتالمنتجات المعدنية (3.12 مليار دولار)، والنقل (1.06 مليار دولار)، والالات (522 مليون دولار).

و في عام 2004، وقعت الولايات المتحدة والمغرب اتفاقية التجارة الحرة (FTA)، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2006. وتعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها بين الولايات المتحدة وبلد أفريقي، وقد ساهمت في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين عبر تخفيض وإلغاء الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية: خفضت الاتفاقية بشكل كبير الرسوم الجمركية على معظم المنتجات المغربية والأمريكية، مما ساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.

 

و تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على السلع المستوردة وفقًا لعدة معايير، تشمل بلد المنشأ، نوع المنتج، واتفاقيات التجارة المبرمة. في هذا السياق، تخضع معظم الواردات من الدول التي لا تتمتع باتفاقيات تجارية خاصة لرسوم جمركية محددة تختلف حسب المنتج. ومع ذلك، تقدم الولايات المتحدة تخفيضات أو إعفاءات جمركية للدول التي ترتبط معها باتفاقيات تجارة حرة.

و يطبق المغرب نظامًا جمركيًا يهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي. تختلف الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المستوردة تبعًا لنوع المنتج وأهميته الاقتصادية. وعلى الرغم من أن المغرب يتبع سياسات لتحرير التجارة، فإنه يفرض رسومًا على بعض السلع المستوردة لحماية الصناعات المحلية.
وقعت اتفاقية التبادل الحر بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية يوم 15 يونيو 2004 في واشنطن. ودخلت حيز التنفيذ في فاتح يناير 2006. ويشمل نطاق تطبيق هذه الاتفاقية تجارة المنتجات الفلاحية والصناعية وتجارة الخدمات. كما همت الاتفاقية جوانب متعلقة بالعمل والسياسة البيئية والصفقات العمومية وحقوق الملكية الفكرية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى