مارسيل خليفة: الموسيقى رجاء الإنسان في زمن الحروب والقلق الوجودي

إعلام تيفي
اعتبر الموسيقي والمغني اللبناني مارسيل خليفة أن الالتزام الفني لا يدوم طويلا، لكونه يركز على السياسة أكثر مما يلامس جوهر الإنسان، ويتوجه إلى الجماعة بدل أن يخاطب الفرد.
وأكد أن الموسيقى شكل من أشكال المواجهة، ومحاولة لتغيير الإنسان في عمقه، مشددا على أن القلق يمثل جوهر التجربة الوجودية، سواء أدى إلى العدم أو قاد إلى تمجيد الخالق.
وفي مداخلته خلال ندوة بعنوان “الجماليات ومأزق العالم”، التي نسقها الباحث عبد الواحد آيت الزين ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، تحدث خليفة عن القلق الداخلي بوصفه شكلا من الرفض، واعتبر أن الرجاء يكمن في العودة إلى الذات ومواجهة الضمير، حيث تتجلى الحقيقة بلا أقنعة، مضيفا أن مجرد وجوده في هذا اللقاء يمنحه شيئا من الأمل في ظل ما نعيشه اليوم.
وأشار خليفة إلى معاناة بلده لبنان، الذي وصفه بالمحترق، وإلى وجود مليون لاجئ داخله، إلى جانب المآسي المستمرة في فلسطين وغزة. لكنه شدد على أن استمرار القصيدة والموسيقى والغناء يشكل أملا في الخلاص، مشيرا إلى أن كل من يكتب أو يغني أو يعزف يحمل هذا الرجاء.
وطرح تساؤلا حول كيفية التعبير عن الموسيقى بلغة غير الموسيقى، مبرزا أنه مهتم بإنسانية العمل الإبداعي أكثر من إتقانه أو تقنياته، وقال إنه لا يعتبر نفسه ناقدا أو عالما في الموسيقى، بل هو شخص يكتبها بشغف يحفز الآخرين على التوهج مع هذا الفن.
وقام بإعادة صياغة عنوان اللقاء ليصبح “بلاغة القلق”، موضحا أن التجربة الفنية الطويلة التي عاشها كانت مثقلة بالحروب وخيبات الشعارات الكبرى، وانطلقت من الأغنية إلى الحرب، ثم إلى الموسيقى الآلية، ومنها إلى الكورال، إلى أن أصبح يواجه اليوم أسئلة العصر التي تتعلق بالهوية، والأصالة، وتغير المفاهيم، في بحث دائم عن جوهر إنساني أصيل داخل هذه الفوضى.
ورأى خليفة أن عالم اليوم يعرف طغيانا في الكثرة وتكدسا في المظاهر، وأن وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي تستهلك الذهن بشكل متسارع، داعيا إلى أن يكون الفن شجاعا في استيعاب هذا التعقيد دون الخضوع له، مع التمسك بالجمال الذي يبدو مفقودا لكنه يسكن في الانتظار، في لحظات صمت الإنسان أمام موته، وفي ألمه العميق.
وفي تفاعله مع سؤال حول علاقة الموسيقى بالمستحيل وسط حروب السوق والمال، أوضح أنه حين يبدع لا يكون العقل هو المحرك، بل يأتي وحي ما لا يستطيع تفسيره، ويأتي دور العقل لاحقا، عندما تبدأ الفكرة في التبلور وتطور موسيقيا.
وأكد خليفة أنه لا يخشى الخيال، وعبر عن قناعته بأن الذكاء الاصطناعي لن يتمكن من سلب مناطق معينة من الوجود الإنساني، مشيرا إلى أن الأخطاء البشرية لها جمالها، وأنها أفضل من الدقة المصطنعة، لأنها تعكس الترميم الحقيقي والتجربة الأصيلة، خاتما بأن الإنسان سيتشبث بهذا الخيال المستحيل لأنه لم يعد قادرا على بلوغه، لكنه لا يزال يحتفظ برغبته فيه.