مبدأ المناصفة السياسية … غياب الإرادة السياسية والثقافة المجتمعية تعيق التقدم

إيمان أوكريش: صحافية متدربة

كشف بحث  صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، أعدته الباحثة إكرام عدنني،  أن مبدأ المناصفة السياسية، الذي نص عليه دستور 2011، لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تحقيقه على أرض الواقع.

وأشار البحث إلى أن الهيئة الدستورية المكلفة بتفعيل هذا المبدأ، وهي “هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز”، لم تر النور بعد، رغم مرور أكثر من عقد على إقرار الدستور، مما يعكس وجود اختلالات سياسية، اقتصادية واجتماعية تمنع تحقيق المساواة بين الجنسين في المشهد السياسي المغربي.

وأكد البحث أن التحديات التي تعرقل تحقيق مبدأ المناصفة تعود إلى  عوامل عدة، من بينها الثقافة المجتمعية التي لا تزال تروج لصورة نمطية عن المرأة كـ”كائن غير سياسي”، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية الفعلية من بعض الأطراف لتفعيل المناصفة بشكل كامل. كما لفت  إلى أن المناخ السياسي والاقتصادي العام لا يشجع النساء على الانخراط  في العمل السياسي، مما يعوق الوصول إلى تمثيلية متوازنة بين الجنسين.

وأشار البحث إلى أن استمرار غياب هيئة المناصفة يشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق المساواة  بين الجنسين في المغرب. كما أوصى بتسريع تفعيل الهيئة وتوفير بيئة تشريعية وتنظيمية تساهم في تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية.

كما شدد التقرير على ضرورة أن يُنظر إلى مبدأ المناصفة ليس فقط كهدف عددي، بل كقيمة إنسانية ومبدأ أساسي في بناء مجتمع ديمقراطي، داعيًا إلى ضرورة تكاثف الجهود بين المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتحقيق ذلك.

وأكد البحث أن دستور 2011 أشار إلى مبدأ المناصفة كأحد المحاور الأساسية في تعزيز مشاركة المرأة المغربية في الحياة السياسية. وقد نص الفصل 19 من الدستور على إنشاء “هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز” لتحقيق هذا الهدف. ورغم إقرار قانون الهيئة التنظيمي في 2017، إلا أن الهيئة لم تخرج إلى حيز الوجود، مما يعكس تأخرًا مؤسساتيًا يعيق تطور الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنساء.

وفي سياق التشريعات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، أشار البحث إلى أن المغرب قد اتخذ العديد من الخطوات، مثل النص في النظام الداخلي لمجلس النواب على تشكيل مجموعة عمل موضوعاتية للمساواة والمناصفة،  إلى جانب إلزام القانون التنظيمي للأحزاب السياسية ببلوغ نسبة 33% من النساء داخل الأجهزة المسيرة للأحزاب.

ومع ذلك، لا يزال الحضور النسائي في المؤسسات المنتخبة محدودًا. ففي الانتخابات التشريعية لعام 2021، بلغت نسبة النساء المنتخبات 24.3% من مجموع أعضاء مجلس النواب، وغالبية النساء المنتخبات وصلن عبر آلية “الكوطا”، بينما تمكنت خمس نساء فقط من الفوز بمقاعد خارج هذه الآلية. وبخصوص المجالس الجهوية والمحلية، سجلت النساء تمثيلًا نسبيا بلغ 38.5% و26.64% على التوالي، وهو ما يمثل تحسنًا طفيفًا مقارنة بالسنوات السابقة.

أما على مستوى المناصب الحكومية، أشار البحث إلى أن التمثيلية النسائية لا تزال محدودة، حيث تضم الحكومة الحالية 7 وزيرات من أصل 28 وزيرًا، أي حوالي 25% فقط. ورغم أن النساء حصلن على حقائب وزارية استراتيجية مثل الاقتصاد والمالية، إلا أن غالبية الحقائب الأخرى التي تشغلها النساء تتعلق بقطاعات ذات طابع اجتماعي أو تقني، مما يعكس غيابًا ملحوظًا للنساء في المناصب التي تتمتع بتأثير سياسي مباشر.

كما سلط البحث الضوء على الانتقادات التي وجهتها الحركة النسائية المغربية، وخاصة ائتلاف “المناصفة دابا”، الذي اعتبر أن ما تحقق على مستوى التشريعات غير كافٍ لتغيير الواقع، حيث أوضح الائتلاف أن “ما تحقق بالنسبة للمرأة المغربية على مستوى تحيين التشريعات مهم جدا، إلا أنه على مستوى التنفيذ والتطبيق لا تزال هناك هزالة وهشاشة تطبع واقع النساء بالمغرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button