مدارس الريادة بين طموح الإصلاح ومخاوف تعميق الفوارق

إعلام تيفي

عقدت اللجنة الجهوية المكلفة بتنزيل وتتبع مشروع مؤسسات الريادة بجهة الرباط سلا القنيطرة سلسلة من الاجتماعات المنتظمة، حضورياً وعن بُعد، بهدف تقييم التقدم المحقق في هذا الورش التربوي الطموح، ورصد نتائجه المرحلية والمخططات الجهوية لتوسيعه.

وأكد الوزير محمد سعيد برادة، في جوابه على سؤال كتابي للمستشار البرلماني خالد السطي، أن التقييم المتواصل لهذا المشروع كشف عن نتائج إيجابية ملموسة، سواء من حيث ارتفاع عدد المؤسسات الابتدائية والإعدادية المنخرطة، أو اتساع قاعدة التلاميذ المستفيدين، إضافة إلى تحسن ملحوظ في الكفايات والمكتسبات وتقليص نسب الهدر المدرسي.

وخلال الموسم الدراسي 2023-2024، شمل المشروع 104 مؤسسة ابتدائية بالجهة، ويُرتقب أن يتوسع خلال موسم 2024-2025 ليصل إلى 412 مؤسسة، تضم أزيد من 225 ألف تلميذ وتلميذة، ويشرف عليهم أكثر من 7100 أستاذ وأستاذة، و95 مفتشاً تربوياً. ويُتوقع أن يرتفع عدد المؤسسات إلى 689 برسم سنة 2025-2026، بما يمثل 80% من مجموع المؤسسات الابتدائية بالجهة، ويغطي 70% من تلاميذ هذا السلك.

أما على مستوى الثانويات الإعدادية، فقد شملت المرحلة التجريبية للموسم الجاري 28 مؤسسة، ويتوقع أن ينضاف إليها 56 مؤسسة أخرى الموسم المقبل، ليصل العدد الإجمالي إلى 84 ثانوية إعدادية، تستهدف أزيد من 24 ألف تلميذ وتلميذة، بتأطير تربوي من 778 أستاذاً و87 مفتشاً متخصصاً، إلى جانب 12 مفتشاً للتوجيه.

وفي إطار توفير شروط النجاح لهذا البرنامج، تم تأهيل وتجهيز حجرات دراسية بالوسائل التقنية والبيداغوجية الحديثة، إلى جانب توفير أركان قرائية، وتمكين الأطر التربوية من تكوينات ومعدات رقمية، من بينها الحواسيب المحمولة. وسيتم تأهيل 277 مؤسسة إضافية وتجهيز 2700 حجرة في الموسم المقبل، فضلاً عن تجهيز 56 مكتبة مدرسية في الثانويات الإعدادية المعنية.

الوزارة وضعت أيضاً إجراءات تروم ترصيد المكتسبات، من خلال لقاءات دورية مع المتدخلين، ومواكبة دقيقة للنتائج عبر منظومة “مسار”، بهدف تعزيز التحكم في التعلمات، وتوسيع المشاركة في الأنشطة الموازية، وتحفيز الأطر الإدارية والتربوية.

ومن أجل الحد من الهدر المدرسي، سيتم تفعيل خلايا يقظة محلية وجهوية، تعتمد مقاربة القرب والعمل الميداني داخل المؤسسات، مع الحرص على ضمان استمرارية بيداغوجية متكاملة بين التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي.

ورغم الدينامية التي يعرفها مشروع مؤسسات الريادة، إلا أن وتيرة التعميم لا تزال تواجه تحديات مرتبطة بالموارد البشرية واللوجستية، خصوصاً في المناطق القروية والنائية، حيث يصعب تأمين التجهيزات اللازمة وتوفير أطر مؤهلة بشكل دائم. هذه الإكراهات تطرح تساؤلات حول مدى قدرة المشروع على تحقيق العدالة المجالية وضمان شروط الإنصاف التربوي بين مختلف الأقاليم.

كما أن تعدد المتدخلين وتداخل الاختصاصات بين مختلف المصالح الجهوية والإقليمية يشكل في بعض الأحيان عائقاً أمام التنسيق السلس والتتبع الميداني الفعال، مما يؤدي إلى تفاوت في مستوى التنفيذ بين مؤسسة وأخرى، وغياب رؤية موحدة تضمن الانسجام في تنزيل الأهداف الكبرى لخارطة الطريق الإصلاحية.

وسبق أن حذّر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من أن مشروع “مدارس الريادة”، رغم بعض نتائجه الإيجابية، قد يُكرّس الفوارق بدل تقليصها داخل المنظومة التعليمية.

وأشار التقرير إلى أن التركيز على عدد محدود من المؤسسات واشتراط التطوع للمشاركة، أدى إلى استبعاد المدارس ذات الحاجات الأكبر، خاصة في المناطق القروية.

كما أبرز التقرير محدودية الموارد، مثل نقص المفتشين والخدمات الأساسية كالكهرباء والإنترنت، مما يعيق تعميم المشروع بفعالية. وانتقد المركزية المفرطة في تدبير المشروع، معتبرًا أن غياب مرونة التكيّف مع الخصوصيات المحلية، إلى جانب التركيز الضيق على المعارف الأساسية دون تنمية مهارات الإبداع والتفكير النقدي، يجعل من “مدارس الريادة” مبادرة محدودة الأثر لا ترقى إلى إصلاح عميق وشامل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى