مشروع قانون المالية 2025.. طموحات كبيرة في مواجهة واقع صعب
حسين العياشي: صحافي متدرب
قدمت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، مشروع قانون المالية 2025، اليوم أمام البرلمان في جلسة مشتركة لمجلسيه، وذلك بعد أن تم التداول بشأنه في المجلس الوزاري المنعقد يومه الجمعة 18 أكتوبر 2024. ويركز هذا المشروع على أربع أولويات رئيسية.
في مقدمتها تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، من خلال تنفيذ شامل لمشروع تعميم الحماية الاجتماعية، فبعد تعميم التأمين الصحي الإجباري، سيتم استكمال مشروع الدعم الاجتماعي المباشر، بالتوازي مع الاستمرار في إصلاح المنظومة الصحية الوطنية. ورغم ذلك، لازالت تواجه هذه التوجهات تحديات كبيرة على مستوى التمويل والتنفيذ. على الرغم من النجاح النسبي الذي عرفته سياسة تعميم التأمين الصحي الإجباري، فإن الانتقال إلى تقديم الدعم الاجتماعي المباشر يتطلب موارد مالية ضخمة وإصلاحات هيكلية مستدامة، وهو ما قد يرهق المالية العمومية في ظل ارتفاع تكلفة المشاريع الاجتماعية وتعقد المشهد الاقتصادي العالمي.
في سياق الإصلاحات، ومن خلال ما جاء في المشروع، تسعى الحكومة لمتابعة تنفيذ خارطة الطريق لإصلاح النظام التعليمي ودعم الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى استكمال المشاريع المتعلقة بإعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز والفيضانات التي عرفتها المناطق الجنوبية الشرقية للمملكة. كما يسعى المشروع إلى فتح المجال لمواصلة الإصلاحات الهيكلية في مقدمتها النظام القضائي، مع استكمال الأطر القانونية والتنظيمية، وتعزيز الرقمنة في الإدارة القضائية. إضافة إلى مواصلة تطبيق الجهوية المتقدمة وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، ومراجعة القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية وتنفيذ الإصلاح الضريبي.
هذه الإصلاحات، رغم أهميتها، قد تصطدم بواقع التعقيدات البيروقراطية وضعف القدرات الإدارية في بعض الجهات. إن تطبيق الجهوية المتقدمة، على سبيل المثال، يتطلب تحولاً عميقاً في البنية الإدارية والسياسية، وهو ما قد يستغرق سنوات طويلة لتحقيقه بفعالية.
من جهة أخرى، يركز مشروع قانون المالية، على دعم الاستثمار وخلق فرص الشغل، حيث تركز هذه الأولوية على استمرارية تحفيز الاستثمار الخاص، من خلال تنفيذ ميثاق الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال. وسيتم بهذا الصدد، دعم الاستثمار العام ومواصلة المشاريع الهيكلية مثل استراتيجية “الجيل الأخضر” ومشاريع الهيدروجين الأخضر والانتقال نحو الطاقة النظيفة. لكن هل يكفي الاعتماد على تحفيز الاستثمار الخاص وتحسين مناخ الأعمال؟ في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتنافسية الشرسة، مما سيحد من قدرة الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية أو حتى تشجيع رأس المال المحلي. والجدير بالذكر، أن تنفيذ ميثاق الاستثمار يظل خطوة إيجابية، ولكن النجاح يتطلب تنسيقاً مكثفاً بين القطاعين العام والخاص.
أما من ناحية الحفاظ على استدامة المالية العمومية، تسعى الحكومة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استقرار التوازنات المالية، مع تقليص عجز الموازنة وتوفير الموارد اللازمة لمواجهة الأزمات المستقبلية. الهدف هو تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.6% في عام 2025، مع معدل تضخم محدود لا يتجاوز 2%. ومع ذلك، يبدو هذا الهدف صعب التحقيق بالنظر إلى التحديات المالية الحالية، خاصة في ظل عجز الموازنة المستمر والحاجة إلى توفير موارد كافية لمواجهة الأزمات. هل يمكن للحكومة فعلاً الحفاظ على استدامة المالية العمومية مع تزايد الاحتياجات الاجتماعية وضغوط السوق العالمية؟
بالتالي، فإن مشروع قانون المالية 2025 يأتي محملاً بالطموحات، لكنه يظل محفوفاً بالتحديات. تنفيذ هذه الأولويات يتطلب إرادة سياسية قوية، واستراتيجية محكمة لإدارة الموارد، ومرونة في التعامل مع التحولات الاقتصادية السريعة. في نهاية المطاف، ستظل الفعالية في التنفيذ هي الحكم الأبرز على نجاح أو فشل هذه التوجهات.