منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صدارة قمع حقوق العمال( تقرير 2025)

نجوى القاسمي
بين سطور تقرير الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) لسنة 2025، تتكشف قصة عالم ينزلق بثبات نحو قمع الحقوق الأساسية للعمال.
فالتقرير، الذي بات مرآة سنوية لأوضاع العمل في 151 دولة، لا يكتفي بعرض الأرقام الباردة، بل يدق ناقوس الخطر حول انحسار الحريات النقابية وتصاعد القبضة الأمنية والتشريعية التي تُحكم الخناق على أصوات العمال في مختلف القارات.
مؤشرات مقلقة: انهيار عالمي لحقوق العمال
في تفاصيل الأرقام التي يرصدها التقرير، نجد لوحة قاتمة: 72% من الدول أغلقت أبواب العدالة في وجه العمال، و87% داست على الحق في الإضراب. أما حرية تأسيس النقابات فقد أصبحت حلمًا بعيد المنال في 75% من الدول، في حين قُيّد الحق في التفاوض الجماعي في 80% منها. وبينما تتصاعد سياسات التكميم، كانت حرية التعبير والتجمع تحت مقصلة القيود في 45% من الدول. الأسوأ أن العنف أصبح وجهًا مألوفًا في 26% من دول العالم.
ما يحدث ليس مجرد أزمة نقابية إنه انقلاب مكتمل الأركان على الديمقراطية الاجتماعية، حيث تتحد النخب المالية مع السلطات الاستبدادية لتفكيك قلاع العمل الجماعي وإسكات أصوات العمال.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: عنوان القمع
إذا كان العالم يتراجع، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تغرق. فالتقرير يصنفها، دون منازع، كأسوأ منطقة لحقوق العمال في 2025، بتقييم كارثي بلغ 4.68 من 5. ففي كل دول هذه المنطقة، انتهك الحق في التفاوض الجماعي، وحرم العمال من ممارسة الإضراب في 95% منها، بينما منع تأسيس النقابات بشكل مطلق.
لا غرابة أن تتصدر دول مثل مصر، قطر، الإمارات، السعودية، وليبيا قائمة الدول التي جعلت من القوانين سلاحا لتكميم النقابات وتحطيم كل بوادر الاحتجاج.
المغرب: قانون يقيد الحناجر
أما في المغرب، فالحكاية تحمل تفاصيل أكثر إثارة. نهاية سنة 2024، أقرت الحكومة قانونا جديدا للإضراب دون استشارة النقابات، في خطوة وصفت بأنها تطويق صريح للحركة العمالية.
القانون لم يكتف بتقييد الإضرابات المهنية، بل ذهب أبعد من ذلك حين استبعد الاحتجاجات المرتبطة بالسياسات العمومية وتكاليف المعيشة، مع فرض غرامات قاسية على النقابات المخالفة ما يهدد حيادها ويحولها إلى أداة ضغط ضد العمال.
وفي مواجهة هذا الواقع، قادت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) والاتحاد المغربي للشغل (UMT) انتفاضة نقابية واحتجاجات متواصلة، غير أن المحكمة الدستورية حسمت المعركة لصالح الحكومة، ما اعتبرته النقابات انتكاسة لحرية العمل النقابي.
واعتبر التقرير أن القانون الجديد يقيد تعريف الإضراب ويحصره في المطالب المهنية، مستبعدا الاحتجاجات ذات البعد الاجتماعي أو السياسي.
بعيدا عن المغرب، رصد التقرير المعنون ب 2025 ITUC GLOBAL RIGHTS INDEX T HE WORLD’S WORS T COUN T RIES FOR WORKERS تصاعد استخدام “قوانين النفوذ الأجنبي” كذريعة لقمع النقابات، في مشهد يتكرر في جورجيا، هونغ كونغ، وروسيا.
تحت غطاء محاربة التدخل الخارجي، تفرض قيود مشددة على التمويل الأجنبي للنقابات، وتُصنف كعملاء أجانب بمجرد تلقيهم دعما دوليا. وقد تصل العقوبات في بعض الدول إلى 20 سنة سجن، مما يجعل هذه القوانين قنابل موقوتة ضد الحركات العمالية.
وسط هذا السواد، يسلط التقرير الضوء على نماذج مضيئة؛ ففي كوت ديفوار، نجح عمال DHL في انتخاب ممثليهم النقابيين لأول مرة بعد سنوات من القمع. وفي كندا، أُقر قانون تاريخي يحظر كسر الإضرابات، ما شكل صفعة لأرباب العمل المتحايلين.
أما في إندونيسيا، فقد حطمت النقابات جدار قانون “أومنيبوس” الذي هدد حقوق العمال، وانتزعت حكمًا قضائيًا أعاد التوازن لعلاقات العمل هناك.
مقارنة بين تقرير 2024 وتقرير 2025: استمرار النزيف
عند العودة إلى تقرير الحقوق العالمية لسنة 2024، نجد أن المؤشرات كانت قد دقت ناقوس الخطر بالفعل. فآنذاك، حصلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تقييم 4.74، وكانت قطر من الدول التي وجهت إليها انتقادات بسبب فشلها في تحسين أوضاع العمال المهاجرين. في 2024، سجل التقرير أن 95% من دول المنطقة انتهكت حق الإضراب، وفرضت 89% منها قيودًا على حرية التعبير والتجمع، كما أن 53% من الدول اعتقلت واحتجزت العمال، وتعرض العمال للعنف في 42% من دول المنطقة.
أما في 2025، فقد زادت وتيرة الانتهاكات واشتدت القيود، حيث واصلت جميع دول المنطقة انتهاك الحق في المفاوضات الجماعية ومنعت تأسيس النقابات العمالية بشكل شبه كامل. ويظل المغرب، رغم تصنيفه ضمن الدول التي تعرف “انتهاكات منتظمة، متقدما على دول الجوار في شمال إفريقيا في ما يخص احترام الحقوق النقابية، لكنه ما زال يفرض قيودا على حق في تأسيس نقابات.
في المقابل، تستمر ليبيا في الانزلاق نحو الانهيار التام لحماية الحقوق العمالية، بينما لا تزال الجزائر وتونس ضمن الدول التي لا تقدم أي ضمان لحقوق العمال. وتظل موريتانيا، كما في 2024، تعاني من انتهاكات منهجية لحقوق الشغيلة.
هذه المعطيات تؤكد أن المشهد الحقوقي لم يشهد تحسنا يذكر، بل إن مسلسل التراجع مستمر، مما يُظهر أن الانتقادات التي طالت دول المنطقة في 2024 لم تجد طريقها إلى الإصلاح في 2025.
واختتم التقرير بتحذير أن الأرقام والمعطيات الواردة هي نداء تنبيه واضح وعاجل بأن مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان معرض للخطر، مشددا على أن العمال هم القلب النابض للديمقراطية وأن انتهاك حقوقهم يهدد الديمقراطية نفسها.