من 17% إلى 7.9%: كيف نجح المغرب في تقليص الفقر متعدد الأبعاد؟ (تقرير)

حسين العياشي
في التقرير العالمي حول الفقر متعدد الأبعاد لعام 2025، الذي نشرته المبادرة العالمية للفقر والتنمية البشرية (OPHI) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)، تم تسليط الضوء على تقدم ملحوظ حققته المملكة المغربية في مكافحة الفقر غير النقدي. بين عامي 2011 و2018، استطاع المغرب تقليص معدل الفقر متعدد الأبعاد بشكل كبير، ما يعكس تحسنًا واضحًا في مستويات المعيشة والخدمات الأساسية. هذه التغيرات تأتي في سياق أوسع يشهد فيه العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض تقدمًا في المجالات الصحية والتعليمية ومستوى المعيشة بشكل متوازٍ.
في عام 2011، كان مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في المغرب يبلغ 0.078، مما يعكس نسبة فقر بلغت 17.3%. وكان نحو 5.7 مليون شخص يعيشون في ظروف حرمان متعددة، مع درجة حرمان متوسطة تصل إلى 45.5%. كانت أبرز جوانب الحرمان تتعلق بالتغذية والصحة والتعليم، فضلاً عن ظروف السكن والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحي.
ومع ذلك، أظهرت البيانات الخاصة بالفترة بين 2017 و2018 تقدمًا ملحوظًا. فقد انخفض مؤشر الفقر متعدد الأبعاد إلى 0.033، وتراجع معدل الفقر إلى 7.9%، أي ما يعادل نحو 2.8 مليون شخص. هذه النتيجة تمثل انخفاضًا كبيرًا بأكثر من 50% في معدل الفقر خلال سبع سنوات، ما يعكس تحسنًا جوهريًا في الظروف المعيشية للمغاربة. كما انخفضت شدة الحرمان المتوسطة إلى 42.5%، مما يعكس تحسنًا في تغطية احتياجات المواطنين الأساسية.
وكانت التقدمات ملحوظة في عدة مجالات. فقد انخفضت معدلات الحرمان في مجالي التغذية والصحة بشكل كبير، لتصل إلى حوالي 3.6% لكل منهما. أما في مجال التعليم، فقد شهد المعدل انخفاضًا من 13.7% إلى 5.4%. فيما تراجعت معدلات الحرمان المتعلقة بالسكن والخدمات المنزلية لتستقر بين 2% و3%. هذه النتائج تشير إلى تحسن مستمر في البنية التحتية الاجتماعية وتقلص الحرمان الهيكلي، مما يساهم في تحسين رفاهية الأسر.
ومع ذلك، يشير التقرير إلى غياب البيانات الحديثة بعد عام 2018. فالبيانات المتوفرة تعود إلى الفترة بين 2017 و2018، ولم تُنشر أي تحديثات رسمية للسنوات اللاحقة، مما يجعل من الصعب تقييم التقدم الذي تحقق بعد هذه الفترة. هذه المسألة لا تقتصر على المغرب فحسب، بل تشمل العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض، حيث تم تأجيل أو تعليق العديد من الدراسات الاستقصائية بسبب جائحة كوفيد-19. ومن الضروري جمع بيانات جديدة لتقييم تطور الحرمان في السنوات الأخيرة.
على الصعيد العالمي، يعد المغرب من بين البلدان التي سجلت انخفاضًا ملحوظًا في مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، مما يضعه ضمن البلدان التي حققت تقدمًا ملموسًا بين 88 دولة تقدم بيانات قابلة للمقارنة. هذه النتائج تسلط الضوء على قدرة المغرب على مواجهة تحديات الفقر متعدد الأبعاد من خلال العمل المتوازي في العديد من المجالات الأساسية مثل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.
وأخيرًا، رغم أن التقرير 2025 يولي اهتمامًا خاصًا للعلاقة بين الفقر والمخاطر المناخية، فإنه لا يقدم بيانات محددة عن تعرض المغرب لهذه المخاطر. ومع ذلك، يقع المغرب ضمن فئة البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض، وهي الفئة التي تضم أكبر نسبة من السكان الفقراء المعرضين لمخاطر مناخية مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات، وتلوث الهواء. حيث يعيش نحو 72% من الفقراء في هذه البلدان في مناطق معرضة لواحد أو أكثر من هذه المخاطر. هذه الهشاشة المزدوجة، الاجتماعية والبيئية، من المتوقع أن تتفاقم في المستقبل، مما يعكس التحديات المتزايدة التي قد تواجهها المملكة بسبب الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة خلال العقود القادمة.
إجمالًا، يعكس التقرير العالمي حول الفقر متعدد الأبعاد لعام 2025 ما حققه المغرب من تقدم في مكافحة الفقر، بينما يسلط الضوء أيضًا على التحديات المقبلة، سواء على مستوى البيانات أو المخاطر المناخية، ما يقتضي من المغرب مواصلة جهوده في تحسين ظروف معيشة مواطنيه وضمان استدامة هذه التحسينات في المستقبل.