“مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء” في المغرب بين العنف والاندماج

إيمان أوكريش
في قلب جماعة آيت عميرة بإقليم اشتوكة أيت باها، قبل أيام، اندلعت شرارات عنف بين مجموعتين من المهاجرين غير النظاميين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وسط صدمة الساكنة، التي وجدت نفسها أمام مشهد تراشق بالحجارة والعصي.
وبعد أيام فقط من هذه الواقعة، تعرضت فاعلة حقوقية بالمنطقة لاعتداء من قبل أحد المهاجرين، حيث عمد إلى سرقة حقيبتها، مما أدى إلى إصابتها بجرح عميق تطلب تدخلا طبيا.
جماعة أيت اعميرة، المعروفة بنشاطها الفلاحي، تستقطب أعدادا كبيرة من المهاجرين غير النظاميين الذين يبحثون عن فرص للعمل في الضيعات، لكن في ظل غياب أي استراتيجية واضحة، تتحول هذه المناطق، في أحايين كثيرة، إلى بؤر للعنف، خاصة حين تتداخل الاعتبارات الاقتصادية مع الأوضاع القانونية والاجتماعية الهشة.
ما حدث في هذا الدوار ليس حالة معزولة، بل تعيشه مناطق أخرى كمدينة الدار البيضاء، التي تعرف توافدا مستمرا للمهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
ويتجدد مع هذه الأحداث النقاش حول ضرورة وضع مقاربة شاملة ومنصفة لتدبير ملف الهجرة، تراعي الحقوق الإنسانية للمهاجرين من جهة، وتضمن الأمن والاستقرار للمواطنين المغاربة من جهة أخرى.
“العنصرية” تتغذى من الخارج
أوضح صلاح الدين لمعيزي، الكاتب العام للشبكة المغربية لصحفيي الهجرة أن المواجهات بين بعض الشباب المغاربة ومهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء تظل نادرة، لكن يتم تضخيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف في تصريحه لـ”إعلام تيفي” أن هذه الأحداث يجب وضعها في سياقها المحلي، مشيرا إلى أن مدينة الدار البيضاء مثلا تعرف مستويات عالية من العنف حتى بين المغاربة أنفسهم، خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق الهامشية.
وتابع أن مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء هم قلة، وغالبيتهم يشتغلون ويعيشون ظروفا صعبة، قد تدفع ببعضهم إلى تعاطي المخدرات، مما يؤدي إلى حالات تهييج سواء فيما بينهم أو مع الساكنة المحلية.
وشدد لمعيزي على أن حالات العنف هذه تبقى “شاذة ومعزولة”، مؤكدا وجود تعايش بين المغاربة والأجانب، وأن التشنجات “عادية وطبيعية” حتى بين المغاربة أنفسهم، في ظل غلاء المعيشة وصعوبة الولوج إلى الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والنقل.
وأبرز أن “الواقع بعيد تماما عن الصورة التي تروج على مواقع التواصل”، والتي تضخم بعض الأحداث وتصورها على أنها ظاهرة عامة.
وفي ما يتعلق بحملة “لا لتوطين الأفارقة”، قال لمعيزي إنها حملة عنصرية تقودها جماعات منظمة تتبنى أيديولوجيا عنصرية، جزء كبير منها مستورد من الخارج،، حيث يتم نقل خطابات عنصرية أوروبية إلى المغرب، عبر صفحات يديرها مغاربة يعيشون في الخارج.
وأكد أن هذا الهاشتاغ فيه مغالطة، “فنحن أفارقة، ولسنا أوروبيين”، مشيرا إلى أن الصفحة التي أطلقت هذه الحملة في 28 يونيو، استغلت تضخيم مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الأحداث، إضافة إلى ما سماه “عقلية القطيع” التي تميز بعض مستخدمي هذه المنصات.
ورغم تراجع صدى هذا الهاشتاغ، فإن لمعيزي يعتقد أنه ترك أثرا في الذاكرة الجماعية، ورسخ بعض الأفكار الخاطئة التي تربط العنف والمخدرات والتسول بالمهاجرين، وهي أفكار غير صحيحة حسب الدراسات العلمية المغربية، التي تؤكد أن أغلب المهاجرين يعيشون بشكل مستقر ويتعايشون مع المغاربة، ويواجهون نفس التحديات نفسها.
وذكر بأن المغرب أطلق الاستراتيجية الوطنية للهجرة سنة 2014، متضمنة التزامات واضحة بتسهيل اندماج المهاجرين وتوفير الولوج إلى الخدمات العمومية وخلق إطار قانوني جديد، لكنه أشار إلى أن القانون 02.03 ما يزال ساريا، وأن الدولة لم تستكمل تنزيل استراتيجيتها، إذ بدأت تعبئتها تتراجع منذ 2018-2019.
وأشار إلى أن هذا التراجع جعل مسؤولية الاندماج تلقى على عاتق المواطنين المغاربة، في وقت تعقدت فيه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما فسح المجال أمام الخطابات العنصرية للعودة إلى الواجهة بين الفينة والأخرى.
واختتم لمعيزي حديثه بالتأكيد على أن “خطاب المواطن البسيط يقول إن الدولة هي من جاءت بهؤلاء المهاجرين،”، لكن الدولة لم تف بالتزاماتها”.
وطرح تساؤلا: “هل يعقل لإنسان أن يعيش في مقبرة كما يحدث في الدار البيضاء، سواء كان لونه أسود أو أبيض؟”.
وأضاف: “ما الذي يمكن أن ننتظره من هؤلاء الشباب؟ وما هو النموذج لاندماجهم بما أنهم عابرو سبيل ويتم الإبقاء عليهم في المغرب في إطار تأمين الحدود؟، مؤكدا أنه من الممكن أن يتعايشوا مع المغاربة، بدل أن نتبنى خطاب اليمين المتطرف الأوروبي الذي ينفث سمومه بالمغرب”.
العنف.. دفاع ضد “الآخر”
أكد عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن العنف بين بعض مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء، سواء فيما بينهم أو مع المغاربة، يجب فهمه في سياقه الأوسع، المرتبط بالانتقال من مجال جغرافي إلى آخر، وما يحمله ذلك من تصورات وممارسات ثقافية واجتماعية ودينية.
وأوضح في تصريح لـ”إعلام تيفي” أن هذا العنف، غالبا، هو امتداد لممارسات عرفية سائدة في بلدانهم الأصلية، حيث تحسم النزاعات على أساس انتماءات إثنية وقبلية.
وأضاف أن أغلب هؤلاء المهاجرين قادمون من مناطق تعاني من الجفاف، والأزمات الاقتصادية، والحروب، مما يجعلهم يحملون تراكمات نفسية وتاريخية، ومخزونا من المعاناة خلال رحلتهم الشاقة إلى المغرب.
وأشار عنبي إلى أن هذا العنف يستخدم أيضا كوسيلة للسيطرة على المجال، فحينما يستقر المهاجر في منطقة معينة، يتملك الفضاء الذي يعيش فيه، فيدافع عنه ضد “الآخر”، سواء أ كان مهاجرا أو مغربيا.
كما لفت إلى أن الصورة الذهنية لدى هؤلاء المهاجرين حول محدودية الموارد تدفعهم للدفاع عنها بكل الوسائل، خاصة وأنهم غالبا في وضعية غير قانونية، مما يصعب عليهم اللجوء إلى القانون، ويدفعهم إلى اعتماد العنف كأداة لحسم النزاعات.
وشدد على أن ما يعيشه مهاجرو جنوب الصحراء في المغرب يشبه إلى حد كبير ما يعانيه بعض المهاجرين المغاربة في الخارج، خاصة أولئك الموجودين في وضعية غير نظامية. فرغم أن الهجرة حق من حقوق الإنسان، إلا أن الاصطدام بثقافات البلدان المستقبلة ينتج توترات بسبب التباين في القيم والمعتقدات والممارسات اليومية.
وتابع عنبي أن المهاجر قد يتخذ ثلاثة مواقف إزاء ثقافة بلد الاستقبال: التفاعل الإيجابي، حيث يتبنى بعض عناصره الثقافية والدينية والاجتماعية، مما ينتج فضاء ثالثا تتعايش فيه الهويتان. أو الانغلاق، في حالة تمسكه بمعتقداته وممارساته دون رغبة في التفاعل، مما يصعب عليه الاندماج ويدفعه إلى إعادة بناء مجتمعه الأصلي داخل بلد الاستقبال، والدفاع عنه أحيانا بالعنف. أو التناقض، حين يشعر المجتمع المستقبل أن هذا المهاجر يهدد نظمه الثقافية والدينية والاجتماعية، فينتج عن ذلك ممارسات من التهميش والوصم والتنمر، وقد تصل إلى رفع شعارات مثل “لا للتوطين”.
وفي هذا السياق، اعتبر المتحدث نفسه أن من الصعب علميا تبني خطاب “لا للتوطين”، مشددا على ضرورة التفكير في مقاربة مزدوجة للتعامل مع هذه الإشكالية، خصوصا أن المغرب من الدول الرائدة في شمال إفريقيا في مجال سياسة الهجرة، ويجب أن يواصل التزامه بمساعدة المهاجرين على الاندماج.
وأوضح أن هذه المقاربة الثنائية يجب أن تستهدف، من جهة، مهاجري جنوب الصحراء من خلال حملات تحسيسية يشارك فيها المجتمع المدني، والباحثون، ومؤسسات الدولة، لتعريفهم بالمجتمع المغربي، وتصحيح الصور النمطية التي يحملونها. ومن جهة أخرى، يجب توعية المغاربة بأن الهجرة حق من حقوق الإنسان، وأن لهم بدورهم مهاجرين في دول أخرى يرجون لهم الاستقرار والتسوية القانونية.
وشدد عنبي على أن المشكل الأساسي يهم المهاجرين الذين يعتبرون المغرب بلد عبور فقط، ولا يسعون إلى الاندماج أو الاستقرار، حيث تكثر في صفوفهم بعض السلوكيات غير القانونية مثل التسول، والانخراط في شبكات المخدرات، والسرقة، وهي تحديات تستوجب معالجة عادلة وشاملة.