مهندسو الجماعات… خبرات مجمدة ومدن خارج الزمن

بشرى عطوشي
في الوقت الذي تتسابق فيه المدن العالمية نحو تبني معايير التخطيط الحضري الذكي، ما زالت العديد من المدن المغربية تدور في حلقة مفرغة من العشوائية البصرية والاختناق المروري ورداءة الفضاءات العمومية. السبب لا يكمن فقط في ضعف الميزانيات أو نقص التجهيزات، بل أيضاً في غياب دور فعّال للتقنيين والمهندسين التابعين للجماعات المحلية.
المفارقة أن هؤلاء الأطر يتوفرون على شهادات عليا وخبرة تقنية، لكن حضورهم في صناعة القرار الحضري يكاد يكون شكلياً. في كثير من الحالات، يكتفون بتأشير الملفات أو مراقبة الأشغال من بعيد، دون الانخراط في رسم سياسات حضرية مبتكرة أو الضغط لاعتماد معايير هندسية تراعي الاستدامة والجمال العمراني.
غياب الرؤية التخطيطية لدى هذه الفئة يجعل مدننا تفتقر للمساحات الخضراء الموزعة بشكل ذكي، وللشوارع التي تحترم معايير السلامة والولوجيات، وللمشاريع التي تتنبأ باحتياجات السكان بعد عشرين أو ثلاثين سنة. النتيجة: مدن تتضخم عمرانياً بلا روح، وتُهدر فيها الملايين على إصلاحات ترقيعية.
الأخطر أن بعض المهندسين بالجماعات يصبحون أسرى الروتين الإداري أو التجاذبات السياسية، فيتخلون عن دورهم كحماة لجودة الحياة الحضرية. وبدلاً من أن يكونوا قوة اقتراح، يتحولون إلى منفذين صامتين لقرارات قد تفتقر للدراسة العلمية.
الحلول موجودة: تعزيز استقلالية القرار التقني داخل الجماعات، ربط الترقيات والمكافآت بمدى مساهمة المهندس أو التقني في تحسين مؤشرات جودة الحياة بالمدينة، وإدماج تقييم دوري للأداء ضمن مسارهم المهني. فمدن المستقبل لا تُبنى بالخرسانة فقط، بل برؤية تخطيطية يقودها خبراء ملتزمون.
اليوم، السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سنترك أدمغة الجماعات مجمدة، بينما مدننا تتآكل تحت وطأة الفوضى العمرانية؟





