نشوان لاعلام تيفي: مدفع الإفطار تراث رمضاني لا يزول

نجوى القاسمي: صحافية متدربة
عندما تقترب الشمس من المغيب وتبدأ نسمات المساء في معانقة الأفق، يتوقف الزمن للحظة. ينتظر الجميع صوتا مألوفا يحمل في طياته عبق التاريخ وحنين الذكريات، إنه صوت مدفع الإفطار. هذا التقليد الذي لا يزال حاضرا في أجواء رمضان في المغرب، يضيف لمسة خاصة لطقوس الشهر الفضيل.
تتميز أجواء رمضان في المغرب بتنوعها الروحي والاحتفالي، ويُطلق عليها سيدنا رمضان تعظيما للمكانة المميزة لهذا الشهر. ولا شك أن مدفع الإفطار يُعد جزءا لا يتجزأ من هذه الأجواء، حيث يُطلق في المغرب كل يوم عند غروب الشمس للإعلان عن موعد الإفطار، وهو تقليد تاريخي له جذور في العديد من الدول الإسلامية.
صرح الباحث محمد نشوان، المهتم بالتراث الشعبي لموقع اعلام تيفي ، قائلا: “يعد مدفع الإفطار تقليدا إسلاميا عريقا ارتبط بشهر رمضان في العديد من الدول الإسلامية، ويُعتبر جزءا من الذاكرة الثقافية الجماعية. وعلى الرغم من أن أصول هذا التقليد ليست مؤكدة تماما، فإن هناك عدة روايات تتناوله. من بين هذه الروايات، نجد الرواية الأشهر التي تعود إلى مصر في عهد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر. يُقال إن جنود محمد علي أطلقوا المدفع عن طريق الخطأ عند وقت الإفطار، فظن الناس أنه إشارة رسمية للإفطار، مما جعل الفكرة تحظى بشعبية كبيرة وتم اعتمادها كعادة سنوية.
ومن جهة أخرى، اكد الباحث ان بعض المصادر تشير إلى أن بداية مدفع الإفطار تعود إلى القاهرة في عهد السلطان المملوكي خشقدم في القرن الخامس عشر عام 865هـ (1460م). ، حيث قام الجنود باختبار مدفع جديد في توقيت الغروب، فظن الأهالي أن السلطان أمر بذلك ليُساعدهم في معرفة موعد الإفطار. وقد لاقت الفكرة قبولا واسعا، مما جعلها تُعتمد رسميا.
مضيفا ان تطور هذا التقليد، يمكن القول إن مدفع الإفطار قد انتقل بعد نجاحه في مصر إلى العديد من الدول الإسلامية، بما في ذلك الدولة العثمانية وبلاد الشام والسودان ودول الخليج، ليُصبح جزءا من التقاليد الرمضانية في تلك البلدان. ورغم التقدم التكنولوجي في وسائل الإعلام، لا يزال مدفع الإفطار حاضرًا في بعض الدول مثل مصر ولبنان والمغرب، حيث يتم إطلاقه من مواقع رمزية في المدن الكبرى.
لفت الباحث محمد نشوان ان المغرب، عرف مدفع الإفطار باسم “العلامة” أو “مدفع رمضان”، ويُعتبر تقليدا قديما يعود إلى عهد السلطان المولى إسماعيل في القرن السابع عشر.
يُطلق مدفع الإفطار من مواقع استراتيجية في مختلف المدن المغربية. في الرباط، يُطلق المدفع من قلعة أو حصن قريب من المدينة، وفي الدار البيضاء يُطلق من مناطق مرتفعة ليتمكن الجميع من سماعه. أما في فاس ومراكش وطنجة، فتُستخدم المدافع في الساحات القريبة من القصور الملكية.
يستمر تقليد مدفع الإفطار في العصر الحديث في بعض المدن المغربية مثل الرباط، الدار البيضاء، ومراكش، حيث يُطلق المدفع مرتين يوميا خلال شهر رمضان: الأول قبل الفجر (مدفع السحور) للإعلان عن وقت الإمساك، والثاني عند الغروب (مدفع الإفطار) للإعلان عن موعد الإفطار.
ورغم التطور التكنولوجي ووجود وسائل أخرى للإعلان عن وقت الإفطار، فإن مدفع الإفطار يظل جزءا أصيلا من الهوية الرمضانية في المغرب، حيث يربط الناس بأجواء الحنين إلى الماضي والتقاليد الشعبية التي كانت سائدة في تلك الحقبة.