السرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض..عندما يفقد المجتمع القيم والشعور بالأمان ؟ ( ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر
تعد ظاهرة حمل السلاح الأبيض دون مبرر قانوني أو شرعي من بين السلوكيات المقلقة التي بدأت تتفشى بشكل لافت في المجتمع، خاصة في أوساط الشباب. فقد تحولت من مجرد حالات معزولة إلى مشهد شبه يومي يتكرر في الفضاءات العامة، وتغذيه وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت منابر لترويج مظاهر العنف والتهديد، بدل أن تكون فضاءات لبناء الوعي الجماعي.
ولعل الأخطر في هذا السلوك هو تحوله إلى نوع من “ثقافة التباهي” لدى المنحرفين الذين يرون في حمل السيوف والسكاكين رمزا للقوة والهيبة، متناسين أن هذا الفعل يُشكل تهديداً مباشراً لأمن وسلامة المواطنين، وينم عن انحراف خطير في القيم الاجتماعية والسلوكية.
تكرار مشاهد التلويح بالسلاح الأبيض في الشوارع، وتداولها على نطاق واسع عبر منصات الإنترنت، يولد شعوراً عاماً بعدم الأمان، ويزرع الخوف والقلق في نفوس المواطنين، ويقوّض الثقة في المنظومة الأمنية والعدلية. كما أن تساهل البعض مع هذه التصرفات، سواء من طرف بعض الأسر أو من المجتمع ككل، يزيد من تعقيد الظاهرة ويجعلها تنمو في صمت.
الأسلحة البيضاء ..من أين؟
تسائلنا عن مصدر هذه الأسلحة الخطيرة التي باتت تُتداول بسهولة وكأنها سلع عادية خاصة بين أيدي فئة من الشباب القاصر أو المهمش. فمن أين يحصل هؤلاء على سيوف وسكاكين حادة ومعدّلة بهذا الشكل؟ وهل تخضع هذه الأدوات لرقابة فعالة من طرف الجهات المعنية؟
وتتنوع الأسلحة البيضاء المستعملة في السرقات ما بين سكاكين المطبخ الكبيرة، والسيوف، والشاقورات (الفؤوس الصغيرة)، وهي أدوات يسهل الحصول عليها من الأسواق الشعبية أو محلات بيع الأواني أو عبر الإنترنت تحت غطاء الاستعمال المنزلي أو الفلاحي. وغالبًا ما يفضّل المعتدون الأسلحة ذات الحواف الحادة والطول المتوسط، لسهولة إخفائها وسرعة استعمالها في لحظة الهجوم.
وتشير معطيات حصلت عليها الجريدة من مصادر خاصة إلى أن الأسلحة البيضاء، التي باتت تُستعمل في الاعتداءات العنيفة، يتم تصنيعها بشكل سري لدى بعض الحدادين، وبأحجام كبيرة وبأسعار لا تتعدى 300 درهم.
وتُصنع العديد من هذه الأسلحة في ورشات حدادة سرية، حيث يتم تجهيزها وفق طلبات محددة من الزبائن، وتُباع بأسعار تتراوح بين 80 و300 درهم، حسب الحجم والنوع.
في بعض المدن المغربية، تُصنع الأسلحة البيضاء في ورشات حدادة تقليدية، حيث يتم تجهيزها حسب الطلب. يُعتبر سوق الحدادين في مراكش مثالًا على هذه الورشات، حيث تُعرض أدوات حادة تُستخدم في مختلف الأغراض، وكذلك في الاسواق الشعبية الاسبوعية تباع عند “الفراشات” بأثمنة أحيانا لا تتعدى 30 درهما.
وتُباع بعض أنواع الأسلحة البيضاء، مثل السكاكين الكبيرة، في محلات بيع الأواني المنزلية. وتُعرض كأدوات مطبخية، مما يُسهل على البعض الحصول عليها دون إثارة الشبهات.
ويستغل البعض مناسبة عيد الأضحى، حيث تنتشر الأسلحة البيضاء في الأزقة والأسواق المحلية تحت غطاء الاستعداد للشعيرة الدينية، لاقتناء هذه الأدوات التي تُستخدم لاحقًا في تنفيذ الاعتداءات.
وتُعرض بعض الأسلحة البيضاء على مواقع التسوق الإلكتروني، حيث تُباع تحت مسميات مختلفة مثل “أدوات مطبخية” أو “أدوات حرفية”. يُتيح هذا الترويج الإلكتروني سهولة الوصول إلى هذه الأدوات، خاصة مع توفر خدمات التوصيل والدفع عند الاستلام.
هذه المعطيات تضعنا أمام تساؤلات حقيقية حول دور المراقبة الأمنية والرقابة التجارية، ومدى وعي الباعة بمسؤوليتهم في تقييد تداول مثل هذه الأدوات، التي باتت تُستغل بشكل متزايد في أعمال العنف.
وتوفر هذه الأسلحة في الأسواق، سواء التقليدية أو عبر قنوات غير قانونية، يطرح علامات استفهام كبرى حول دور التجار والوسطاء الذين يسهلون اقتنائها، وحول مدى فعالية المراقبة الجمركية والتجارية في التصدي لهذا التسرب.
أما من حيث طريقة السرقة، فغالبًا ما يعتمد المجرمون عنصر المفاجأة والترهيب، إذ يتم تنفيذ الاعتداء في أماكن شبه خالية أو مظلمة، ويستهدف الضحية منفردًا، وغالبًا ما يتم التهديد بالسلاح الأبيض لإجباره على تسليم متعلقاته بسرعة، دون إحداث ضجة أو لفت الانتباه. وتُظهر تسجيلات كاميرات المراقبة في العديد من الوقائع أن الجناة يتصرفون بسرعة ودقة، ما يدل على تمرّس وخبرة في تنفيذ هذا النوع من الجرائم.
ويتم تنفيذ هذا النوع من السرقات في أغلب الأحيان باستخدام دراجات نارية، خصوصًا من نوع “C90” أو “TMAX”، حيث تمنح الفاعلين قدرة على التحرك السريع والفرار من مكان الجريمة خلال ثوانٍ قليلة، مما يصعب مهمة التتبع والملاحقة الأمنية، خاصة في الأحياء الضيقة والمناطق العشوائية.
السرقة تحت التهديد.. بين مبررات الواقع ورفض المجتمع
في إطار تتبعه لظاهرة انتشار السلاح الأبيض، قام فريق “إعلام تيفي” بجولة ميدانية في الشارع العام، حيث بادر إلى طرح سؤال مباشر على المواطنين: “ما رأيكم في تفشي ظاهرة حمل السلاح الأبيض بين الشباب؟” وتنوعت ردود الفعل بين القلق الشديد والاستنكار المطلق، حيث عبّر العديد من المستجوبين عن تخوفهم من هذه الظاهرة التي باتت تهدد سلامة الأفراد وتزرع الرعب في نفوس السكان.
وكانت الأجوبة كالتالي: سارة، 28 سنة، موظفة قالت ل”إعلام تيفي“: تعرّضت لسرقة هاتفي قبل شهر، حيث هددني شاب بسلاح أبيض وأنا خارجة من مقر عملي. أكثر ما صدمني هو أن المارة لم يتدخلوا، شعرت بالخذلان، ولم أعد أشعر بالأمان حتى خلال النهار.”
وقالت مواطنة أخرى:”في رمضان اعترض طريقي شخصان أمام باب الحي وكانا يحملان سيفًا. شعرت أنني على وشك الموت. وحتى الآن، أستيقظ ليلاً بسبب الكوابيس، وأصبحت أخاف من اقتراب أي شخص مني في الشارع.”
وأضافت:”السرقة بالسلاح الأبيض لم تعد مرتبطة بوقت أو مكان معين. أصبحنا نخشى الخروج رفقة أطفالنا. ينبغي على الدولة تشديد العقوبات وتكثيف الدوريات الأمنية خصوصاً في الأحياء الشعبية.”
عبد الله، “بصراحة، مشاهدة هذه الفيديوهات تصيبني بالذعر حتى داخل منزلي، لكنها من جهة أخرى تساعد الأمن في التعرف على الجناة، وتدفع الناس إلى أخذ الحيطة والحذر.”
إيمان “من يصور حادثة السرقة عليه أن يبلّغ السلطات، لا أن يكتفي بالنشر. بعض هذه الفيديوهات باتت وسيلة يتفاخر بها المجرمون، وهذا أمر في غاية الخطورة.”
هذا ما جعلنا نسأل فؤاد يعقوبي باحث في علم النفس الاجتماعي، حول الأسباب الإجتماعية لهذه الظاهرة وأثارها النفسية.
وفي ظل تصاعد حوادث السرقة بالعنف، يرى الأخصائي النفسي والاجتماعي فؤاد يعقوبي أن هذه الأفعال ليست مجرد جرائم جنائية، بل تعبير عن تشوهات عميقة في البنية النفسية والاجتماعية للفرد والمجتمع.
واعتبر أن “السرقة المقرونة بالعنف”، أو ما يسميه بـ”الاعتداء المرفوق بالاستيلاء”، تتجاوز في دلالتها الاستحواذ على ممتلكات الغير لتصبح رسالة احتجاج اجتماعي، واستعراض قوة زائفة نابعة من شعور بالهشاشة والتهميش.
وأوضح يعقوبي أن هذه الظاهرة ترتبط غالبًا ببيئات تفتقر إلى التماسك الأسري والإشباع العاطفي، وتغيب عنها الرقابة التربوية، مما يؤدي إلى نشوء أفراد بعدوانية مرتفعة، وضعف في ضبط النفس، وانحراف في الإدراك القيمي للآخر والمجتمع.
لكن الأخصائي نبه إلى أن العنف لا ينبع بالضرورة من الفقر، بل قد يصدر عن شباب يعيشون ظروفًا مادية مقبولة، لكنهم يفتقرون إلى “المعنى” و”القدوة”، ويقعون ضحايا لنموذج مجتمعي يمجّد السيطرة والتفوق بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب سلامة الآخرين.
واعتبر يعقوبي أن خطورة هذه الأفعال تتجلى في تبرير العنف كوسيلة لتحقيق الذات، في ظل انهيار منظومات التربية والتضامن الاجتماعي.
فؤاد يعقوبي
الإعلام الرقمي يروج لصورة “البطل الخارج عن القانون”، ما يخلق نماذج سلوكية مشوهة ويطبع الفعل الجرمي في الوعي المجتمعي.
وفي ختام تصريحه، دعا يعقوبي إلى اعتماد مقاربة وقائية شاملة، تتجاوز العقوبات الزجرية، وتركز على تأهيل الفضاءات التربوية، وتقوية البرامج النفسية والاجتماعية، وتمكين الشباب من الفرص والبدائل، لبناء مجتمع يربي على الوعي لا على الخوف، وعلى الكرامة لا على العنف.
أكد علي شتور، رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، أن انتشار فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر شباباً يلوّحون أو يحملون أسلحة بيضاء بات يشكّل مصدر قلق حقيقي، لما تحمله هذه المشاهد من رسائل عنف وتحريض، خاصة في صفوف القُصّر والفئات العمرية الصغيرة.
وأوضح شتور ل”إعلام تيفي” أن هذا النوع من المحتوى مخالف للقانون، ويُعدّ مجرّماً، نظراً لتأثيراته السلبية على المتابعين، خصوصاً وأنه يساهم في تطبيع العنف وتقديمه في شكل بطولي أو وسيلة لإثبات الذات. وكشف أن الدافع الأساسي وراء نشر هذه الفيديوهات غالباً ما يكون الرغبة في الشهرة، جذب الانتباه، وتحقيق التفاعل الرقمي، دون إدراك لعواقبها القانونية والمجتمعية.
شتور علي
مشاهد العنف في السينما والتلفاز، كلها عوامل تُسهم في جعل السلوك العنيف مقبولاً أو حتى محبذاً لدى بعض الشباب.
كما نبه إلى دور البيئة الاجتماعية، مؤكداً أن بعض الأحياء المهمشة والتي تعاني من الفقر أو التهميش، تُعتبر أرضية خصبة لانتشار هذه الظواهر السلبية.
وفي هذا السياق، شدد شتور على ضرورة تحرك الجهات المسؤولة عبر فرض عقوبات صارمة على من يروّج لمحتوى عنيف، داعياً إلى تعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية ومنصات التواصل الاجتماعي لحذف هذا النوع من المقاطع. كما دعا إلى إطلاق حملات تحسيسية في المدارس ووسائل الإعلام، للتحذير من مخاطر حمل السلاح الأبيض وتبعاته القانونية والنفسية والمجتمعية.
جرائم السلاح الأبيض..قصاص في الدنيا وحساب في الآخرة
في ظل تصاعد حالات العنف والاعتداءات المتكررة في الأماكن العامة يطرح السؤال الملح: هل سيتم تفعيل المادة 507من القانون الجنائي المغربي بشكل صارم للحد من هذه الظاهرة؟
وفي خطوة حاسمة تهدف إلى التصدي لظاهرة حمل السلاح الأبيض في الأماكن العامة، أعلن وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مساء الإثنين 28 أبريل 2025، عن توجه حكومي لفرض عقوبات أكثر صرامة في هذا المجال.
وخلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، شدد وهبي على أن الحكومة بصدد إعداد مشروع قانون للمسطرة الجنائية يتضمن تعديلات جوهرية، أبرزها تشديد العقوبات على من يضبط حاملا أسلحة بيضاء.
وأوضح الوزير أن المشروع الجديد أجرى تعديلات على المادة 303 مكرر، موسعًا تعريف السلاح ومشددا في العقوبات المرتبطة به، مؤكدا أن «الأحكام القضائية يجب أن تكون صارمة لردع هذه السلوكيات الخطيرة».
وأضاف وهبي في تفاعله مع سؤال طرحه الفريق الحركي: “من غير المقبول أن يتجول شخص في الشارع وهو يحمل سيفا، أو سكينا، أو حتى مفكا، أو أي أداة يمكن أن تلحق الأذى بالآخرين، يجب أن يوضع حد نهائي لهذه الظاهرة”، معتبرا أن “توجه القضاء والنيابة العامة نحو التشدد في هذه القضايا توجه محمود”.
ويعاقب القانون كل من ضبط حاملا لمثل هذه الأدوات في ظروف تهدد الأمن العام أو سلامة الأشخاص أو الأموال، بالحبس من شهر إلى سنة، وغرامة تتراوح بين 1200 و5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ما لم يكن حمله لها مبررا بنشاط مهني أو سبب مشروع.
عبد اللطيف وهبي
لا معنى لتجول مواطن في الشارع العام يحمل معه سيفا أو السكين أو حتى “الطرنوفيس”، أو أي وسيلة يمكن أن تؤذي الأخرين، يجب أن ينتهي هذا الموضوع
وينص الفصل 507 من القانون الجنائي أنه ” يعاقب على السرقة بالسجن المؤبد إذا كان السارقون أو أحدهم حاملا لسلاح، حسب مفهوم الفصل 303، سواء كان ظاهرا أو خفيا، حتى ولو ارتكب السرقة شخص واحد وبدون توفر أي ظرف آخر من الظروف المشددة. وتطبق نفس العقوبة، إذا احتفظ السارقون أو احتفظ أحدهم فقط بالسلاح في الناقلة ذات المحرك التي استعملت لنقلهم إلى مكان الجريمة أو خصصت لهروبهم “.
وينص الفصل 303 أنه ” يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات 121 وجميع الأجهزة والأدوات أو الأشياء الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة. دون الإخلال بالعقوبات المقررة في حالة خرق النصوص المتعلقة بالأسلحة والعتاد والأدوات المفرقعة، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 1200 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من ضبط في ظروف تشكل تهديدا للأمن العام أو السلامة الأشخاص أو الأموال وهو يحمل جهازا أو أداة أو شيئا واخزا أو راضا أو قاطعا أو خانقا، ما لم يكن ذلك بسبب نشاطه المهني أو لسبب مشروع “.
فالفصل المذكور 507 يشدد العقوبات المتعلقة بحيازة أو استعمال الأسلحة البيضاء، خاصة عندما تستعمل في السرقة أو التهديد.
وينص هذا الفصل على معاقبة كل من يُضبط وهو يحمل سلاحا أبيضا لغرض غير مشروع حتى دون استعماله بعقوبات سالبة للحرية. أما في الحالات التي يستخدم فيها السلاح الأبيض للتهديد أو الاعتراض أو الاعتداء على المارة فتصل العقوبة إلى السجن من عشر سنوات إلى السجن المؤبد، ما يعكس تشددا قانونيا واضحا في هذا الباب.
ويهدف الفصل الى ردع الأفراد عن استعمال أو حمل الأسلحة البيضاء في الأماكن العامة، من خلال تجريم حتى نية الاستعمال، لا فقط الفعل الإجرامي ذاته كما يعتبر وسيلة لحماية المواطنين وضمان سلامتهم، في وقت أصبحت فيه بعض الجرائم ترتكب بسلاح أبيض بشكل شبه يومي.
ويذكر أن الفصل 507 من القانون الجنائي ينص على أن السرقة تصبح جريمة يعاقب عليها بالسجن المؤبد إذا ارتكبها شخص مسلح، حسب ما يحدده الفصل 303، سواء كان السلاح ظاهرا أو مخفيا، ويطبق الحكم ذاته حتى لو كان الجاني منفردا ودون توفر ظروف مشددة أخرى.
أما الفصل 303، فيعرف السلاح بأنه يشمل جميع الأسلحة النارية والمتفجرات، إضافة إلى الأجهزة والأدوات الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة.
في زحام الشوارع التي صارت تخفي بين أزقتها الخوف، ظهرت مشاهد جديدة قبل ثلاث سنوات لم تكن مألوفة من قبل: أمهات يخرجن إلى العلن، لا للمطالبة بحقوق أبنائهن في التعليم أو التشغيل، بل للاحتجاج على قانون يعاقب بالسجن من يحمل السلاح الأبيض. وجوه شاحبة، عيون دامعة، وأيادٍ ترفع صور شباب تورطوا، عن جهل أو انحراف، في جرائم هزّت أمن المواطنين. إنها قصة قانون 507، الذي لم يُصغ في مكاتب باردة، بل جاء من رماد الجثث، ومن دموع الضحايا، ومن آهات أمهات أخريات فقدن أبناءهن لا لأنهم حملوا السلاح، بل لأنهم قُتلوا به.
هذا القانون، بقدر ما هو حازم، بقدر ما يُطرح حوله سؤال إنساني شائك: لماذا تعارضه بعض الأمهات؟ هل لأنهن ضد العدالة؟ بالطبع لا. فحسب الأخصائيين النفسيين هن فقط في صراع داخلي، بين قلب الأم وقلب المواطنة، بين من تلد وتربي، ومن تشهد انهيار حلمها في ابنٍ ضلّ الطريق. فالأم لا ترى في ابنها المعتدي إلا صورة الطفل الذي كانت تحمله بين ذراعيها، ولا ترى في سلاحه إلا خيالًا مشوشًا لملعقة كان يأكل بها في صغره. هذه ليست تساهلاً مع الجريمة، بل هي حالة إنكار عاطفي، تحاول من خلاله الأم حماية الصورة التي بنتها لسنوات عن ابنها، عن نفسها، وعن العالم.
لكن المجتمعات لا تنهض بالرأفة العمياء. حين يتأذى الناس، ويُروّع الأطفال، وتُفقد الأرواح في لحظات عبث، يصبح الصمت جريمة. والقانون ليس عدواً للأم، بل هو صديقٌ لأم أخرى كانت ستبكي بدورها، لولا أن القانون وقف في الوقت المناسب. الرحمة لا تعني التراخي، والعقوبة ليست انتقاماً، بل صرخة في وجه واقع بات فيه السكين أقوى من الكلمة.
ولم يقتصر اهتمام فريق “إعلام تيفي” على العقوبات الدنيوية فحسب، بل توجه أيضاً إلى أهل العلم والدين، حيث أجرى حوارا مع الدكتور إدريس الخرشافي، أستاذ الحديث النبوي والسيرة النبوية بجامعتي القرويين وسيدي محمد بن عبد الله بفاس، مستفسراً عن العقوبات الأخروية المرتبطة بحمل السلاح الأبيض دون مبرر، واستعماله في ترهيب الناس أو الاعتداء عليهم.
واعتبر الدكتور الخرشافي، أن السرقة ظاهرة خطيرة محرّمة شرعًا ومجرّمة قانونًا ومرفوضة اجتماعيًا، موضحًا أن الإسلام يعتبرها من الكبائر التي تستحق عقوبة صارمة، إذ يقول الله تعالى: “والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله”.
وأضاف الدكتور الخرشافي أن هذه “القسوة الظاهرة” في الحدود الإسلامية ليست هدفًا في حد ذاتها، بل وسيلة للتربية والردع من أجل تحقيق سلامة المجتمع، مشيرًا إلى أن غياب تطبيق العقوبات الشرعية الرادعة، والاكتفاء بعقوبات خفيفة، من بين الأسباب الرئيسية لانتشار السرقة و”الكريساج” في المدن المغربية.
وتابع قائلاً:”أنا شخصيًا تعرضت لسرقة هاتفي مرتين خلال هذه السنة، وفي كلتا المرتين تم السطو عليّ بنفس الطريقة: سائق دراجة نارية يخطف الهاتف ويلوذ بالفرار. هذا النوع من السرقات يسبب ضررًا نفسيًا ومهنيًا واجتماعيًا كبيرًا، بالإضافة إلى كونه إخلالًا بالنظام العام.”
وعن دور الأئمة وخطبة الجمعة في التوعية، قال الدكتور إن هذا الدور يبقى محدودًا، لأن الفئة التي تمارس هذه الجرائم غالبًا لا تحضر صلاة الجمعة، ولا تولي اهتمامًا بالمواعظ الدينية، معتبرًا أن خطب الجمعة تؤثر فقط في من لديهم حد أدنى من الإيمان والتقوى.
وأشار إلى أن الحل الحقيقي يكمن في الردع الصارم والزجر الحازم، وليس فقط في الخطابات، مبرزًا أن بعض المجرمين لم يعودوا يمارسون السرقة فقط بدافع الحاجة، بل من أجل المتعة والتفاخر، وهو ما يعكس خللًا عميقًا في منظومة التربية الاجتماعية، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو الجمعيات.
إدريس الخرشافي
“العقوبات الخفيفة تحوّل السجن إلى استراحة، فيخرج المجرم ليعود لممارسة نشاطه من جديد. العلاج الأمثل هو تطبيق القانون بحزم، وضمان ألا يفلت الجاني من العقاب.”
في المقابل كشفت المديرية العامة للأمن الوطني في حصيلتها السنوية للعام 2024، عن تراجع قضايا السرقة المشددة بناقص %24 في السرقات تحت التهديد، وناقص %20 في سرقة السيارات، وناقص %12 في السرقات بالعنف، وناقص %10 في السرقات بالكسر وغيرها من ظروف التشديد، بينما تراجعت الاعتداءات الجنسية بناقص %4 وكذا قضايا المخدرات بناقص %7، والسطو على المؤسسات البنكية بناقص %45.
وبحسب الحصيلة ذاتها، فقد راهنت مصالح الأمن الوطني خلال سنة 2024 على استهداف وتفكيك الشبكات الإجرامية المتخصصة في هذا النوع من الإجرام، حيث تم تفكيك 947 عصابة إجرامية تنشط في السرقات الموصوفة، وتوقيف 1561 شخصا متورطا في ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، فضلا عن حجز 119 سيارة و75 دراجة نارية استعملت في تنفيذ هذا النوع من الإجرام.
وفي سنة 2019 بوأ تصنيف لقاعدة البيانات الشهيرة “نامبيو”، المغرب المركز 37 عالميا في مؤشر الجريمة العالمي للعام 2019، والرابع عربيا، والرتبة 11 على المستوى الإفريقي.
وحذّرت الأمم المتحدة المغرب من شبابه نتيجة إحباطهم ووجودهم خارج الرهانات، بالرغم من أنهم قاعدة الهرم السكاني؛ وذلك بعدما كشفت دراسة تقييمية مستفيضة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشباب، في الفترة من 2011 إلى 2016، عن مؤشرات صادمة تنبئ، في حال استمرارها، بوضع مقلق في أفق 2030.
وورد بالخبر ذاته أن المؤشرات التي استند عليها التحذير تتعلق أساسا بالنظرة التشاؤمية للشباب بخصوص التحديات التي تواجه المغرب، إذ تقتنع الأغلبية بسوء أوضاعها الاقتصادية، بالقول إن الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار هي التحديات الأولى للمغرب بنسبة 83.9 في المائة، والفساد المالي والإداري بنسبة 9,6 في المائة، ثم عدم الاحساس بالسلامة والأمن (41 في المائة).
وبعد أن احتلت في سنة 2018 المرتبة 83 إفريقيا، حسب موقع “نومبيو” العالمي المتخصص في قياس معدلات الجريمة في العالم، عادت مدينة الدار البيضاء لتتصدر حسب المؤشر نفسه المرتبة العاشرة ضمن المدن العالمية الأكثر إجراما.
ولازالت مصالح ولاية أمن الدار البيضاء، تستنفرها تزايد حالات الاعتداء ومحاولات السرقة تحت التهديد باستعمال السلاح الأبيض في العديد من أحياء وشوارع العاصمة الاقتصادية، إضافة إلى جرائم القتل و انتشار عصابات “السماوي”.
وفي آخر تحديث لمؤشر Numbeo، لقياس الجريمة، احتلت مدينة الدار البيضاء المرتبة العاشرة على الصعيد لمؤشر الإفريقي بمعدل تنقيط بلغ 54,4 في آخر تحديث للمؤشر ذاته.
وحسب الدراسة، التي قدمها موقع “بيزنس إنسايدرأفريكا”، فإن مستويات الجريمة ذات المعدل بين 40 و60 تعتبر معتدلة، وبين 60 و80 تصنف على أنها مرتفعة، بينما مستويات الجريمة التي تتجاوز 80 تعتبر خطيرة أو مرتفعة للغاية على الصعيد العالمي.