هل تقود الرقمنة إلى برلمان أكثر شفافية ونجاعة؟ (ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر
شهد العمل البرلماني المغربي منذ بلورة استراتيجية البرلمان الإلكتروني في 2014، حيت شهد تطورًا نوعيًا من خلال اعتماد نظام جديد للاستنساخ الآلي لمحاضر الجلسات العمومية واجتماعات اللجان، ما يتيح استخراج المحاضر خلال ساعات فقط من انتهاء الاجتماعات.
كما تم رقمنة مختلف جوانب العمل التشريعي، من الأسئلة الشفهية والكتابية، إلى تتبع تعهدات الحكومة ودراسة النصوص القانونية والتصويت عليها، إضافة إلى تدبير اجتماعات المكتب واللجان، وتبادل المعطيات مع الجهات الحكومية. وقد شملت الرقمنة أيضًا كل ما يخص إدارة المجلس، من التدبير المالي والموارد البشرية إلى تنظيم شؤون النواب، واستقبال الصحافة والزوار، مع اعتماد التوقيع الإلكتروني في التعامل مع الخزينة العامة.
على صعيد آخر، تم رقمنة أكثر من 4 ملايين صفحة من الأرشيف الورقي لمجلس النواب منذ انطلاق التجربة البرلمانية، وتم توفيرها داخل الشبكة الداخلية. كما جرى اعتماد تدبير إلكتروني شامل للوثائق وحفظها، إلى جانب إنشاء مقر جديد للأرشيف يستوفي المعايير الدولية.
ساهم هذا التحول الرقمي في تقليص استعمال الورق بنسبة 90%، خصوصًا في ما يتعلق بطباعة مشاريع القوانين والتقارير. وقد تم تطوير بوابة إلكترونية موحدة لمجلسي النواب والمستشارين، تُوفر خدمات تفاعلية للمواطنين، مثل التعليق على النصوص القانونية، وطلبات الزيارة، والتكوين، والاستفادة من مكتبة البرلمان، وذلك بخمس لغات: العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية والإسبانية.
تشخيص الوضع الحالي للتجربة المغربية في رقمنة العمل البرلمان
وفي سياق تعزيز الرقمنة بمجلس المستشارين، تم اعتماد حلول تقنية متقدمة لتتبع المسار التشريعي وتوثيق محاضر اللجان، مع توفير تطبيق إلكتروني لتدبير الأسئلة الشفهية والكتابية عن بعد، واستقبال الأجوبة الحكومية وإجراء الإحصائيات. كما تم بث جلسات المساءلة الأسبوعية والشهرية مباشرة عبر المنصات الرقمية، مع إعادة هيكلة البنية التحتية المعلوماتية وتجديد الموقع الإلكتروني للمجلس. وتعمل المؤسسة على تعزيز الأمن السيبراني وفقًا لمقتضيات القانون رقم 20.05، مع إنشاء أرشيف إلكتروني لحفظ الذاكرة البرلمانية، والاستعداد لمواصلة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والانفتاح الرقمي.
في هذا السياق سألنا غزلان حموش عضوة فالمكتب السياسي للحزب المغربي الحر حول تسهيل الرقمنة العمل التشريعي والرقابة اليومية للعمل البرلماني وأكدت المتحدثة أن الرقمنة أصبحت اليوم أداة محورية في تحديث العمل البرلماني وتعزيز فعاليته، خاصة في ظل السياق الليبرالي الذي يُؤمن بحرية الوصول إلى المعلومة وحق المواطن في التتبع والمساءلة.
وأوضحت ل”إعلام تيفي” أن التكنولوجيا الحديثة تُسهم بشكل فعّال في تقوية الشفافية وتيسير أداء المهام الرقابية والتشريعية بكفاءة أكبر، مما ينسجم مع مبادئ الحكامة الجيدة وخدمة الصالح العام.
وكشفت أن الحزب المغربي الحر بدأ يستفيد تدريجيًا من الأدوات الرقمية، لا سيما على مستوى التواصل الداخلي وتبادل الوثائق وعقد الاجتماعات عن بعد. غير أنها عبّرت عن أسفها لاستمرار هيمنة البيروقراطية والإجراءات الورقية داخل عدد من الإدارات، معتبرت أن تسريع وتيرة الرقمنة أمر ضروري لتجاوز ما وصفوه بالعراقيل المقصودة، وتمكين المبادرة الفردية وتحقيق برلمان أكثر دينامية وانفتاحًا، بعيدًا عن المعيقات التقليدية التي عفا عنها الزمن.
وشددت على أن الطموح هو الوصول إلى برلمان رقمي يعكس روح الليبرالية المعاصرة، يقوم على الكفاءة والشفافية والتفاعل الفوري مع المواطن. كما تم التأكيد على ضرورة خلق بيئة رقمية حاضنة للمنافسة العادلة، وتشجيع الابتكار السياسي، وتمكين جميع النواب من أدوات تكنولوجية فعّالة لخدمة قضايا المواطنين.
غزلان حموش
“المغرب الرقمي 2030” فرصة محورية لإرساء سوق رقمي سياسي يكرّس تكافؤ الفرص ويُقلص الفجوة بين المواطن وصانع القرار.
وفي هذا الإطار، أوضحت أن الرقمنة ليست مجرد تحول تقني، بل مشروع مجتمعي يتقاطع مع قيم الحرية، المسؤولية والمواطنة الفاعلة. وأعربت عن قلقها من التراجع الذي يشهده البرلمان المغربي، خاصة في ظل ما وصفوه بـ”حكومة الآفات”، بسبب تقييد نقل أشغال اللجان البرلمانية والتهديد بالتأديب في حال تسريب مضامينها، وهو ما يُناقض روح الشفافية التي تم تحقيقها مؤقتًا خلال فترة الجائحة.
توجهنا بعد كل ما قالته حموش حول تسهيل الرقمنة العمل التشريعي والرقابة اليومية للعمل البرلماني الى لمياء المازجي، المهتمة بالتكنولوجيا والتعليم، من اجل توضيح امكانية ادماج الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني.
وترى لمياء المازجي، المهتمة بالتكنولوجيا والتعليم، أن تحديث العمل البرلماني المغربي لم يعد خياراً ثانوياً، بل أصبح تحدياً مركزياً يفرض نفسه على جميع الفاعلين السياسيين. بالنسبة لها، لا يتعلق الأمر فقط بإدخال أدوات ذكية، بل بإعادة هيكلة شاملة للمؤسسة التشريعية تجعل من الرقمنة والذكاء الاصطناعي ركيزتين أساسيتين لحسن الأداء.
وترى المازجي أن البرلمان المغربي يواجه اليوم مجموعة من الإشكاليات البنيوية؛ أبرزها البطء في التجاوب مع الملفات الاجتماعية الملحة، وتراكم التشريعات دون آليات ناجعة لدراستها وتحليل أثرها بدقة. وهو ما يؤدي إلى فجوة حقيقية بين النصوص المصادق عليها وحاجيات المجتمع الواقعية. من هنا، تبرز الحاجة – حسب المازجي – إلى حلول خارج الصندوق تستند إلى أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الحديثة.
وتُبرز المازجي أن الذكاء الاصطناعي بات اليوم قادرًا على تغيير قواعد اللعبة داخل قبة البرلمان، ليس فقط عبر تسريع معالجة النصوص القانونية ومقارنتها بالمعايير الدولية، بل أيضًا من خلال دعم النواب في الصياغة الدقيقة للمقترحات، وإجراء تنبؤات علمية حول تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية قبل إقرارها.
لمياء المازجي
“فتح أبواب البرلمان أمام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا تكنولوجيًا، بل استثمار في مستقبل الديمقراطية المغربية.”
وتلفت إلى دور الذكاء الاصطناعي في تحليل اتجاهات الرأي العام وتتبع التفاعلات حول القضايا التشريعية، مما يساعد البرلمانيين على بناء قرارات أكثر ارتباطًا بالواقع، وأكثر تجاوبًا مع تطلعات الناس. لكن رغم هذا الأفق الواعد، تُحذر المازجي من الانسياق الأعمى وراء التكنولوجيا دون تأطير قانوني وأخلاقي صارم.
وتنبه إلى أن إدماج هذه التقنيات داخل مؤسسة سيادية مثل البرلمان يفرض احترام ضوابط دقيقة: حماية المعطيات الشخصية، ضمان عدم تحيز الخوارزميات، وتكوين مستمر للأطر البرلمانية كي لا تُخلق فجوة رقمية داخل المؤسسة نفسها.
أما على مستوى العلاقة بين البرلمان والمواطن، فتقترح المازجي نموذجًا تواصليًا جديدًا يعتمد على الروبوتات الذكية ومنصات رقمية تفاعلية تُمكن المواطن من تتبع النقاشات التشريعية، تقديم اقتراحات، والمشاركة في تقييم المبادرات القانونية. هذا التحول، بحسبها، كفيل بإعادة الثقة في المؤسسات وتعزيز ثقافة المشاركة المواطنة.
ومن خلال جوابها حول أثر الرقمنة على علاقة البرلمان والمواطن فتحن المحول الثاني من الملف .
أثر الرقمنة على علاقة البرلمان والمواطن
تكشف المعطيات الميدانية والمؤشرات الرقمية أن البرلمان المغربي لم يعُد تلك المؤسسة المنغلقة التي لا يُسمع صوتها إلا عبر الجلسات الرسمية. منذ 2014، بدأت معالم برلمان رقمي في التشكل: وثائق متاحة، جلسات تُبث مباشرة، أرشفة إلكترونية، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في النسخ والمحاضر. بل أكثر من ذلك، خفّضت الرقمنة من التكاليف اللوجستية، وساهمت في تسريع بعض المساطر، كما حدث مع مشروع قانون المالية سنة 2021.
لكن، في مقابل هذا التقدم التقني، لا تزال العلاقة مع المواطن يشوبها نوع من القطيعة الرقمية التواصلية. المواطن يرى، يقرأ، وربما يُحمّل الوثائق، لكنه لا يشارك في صناعة القرار ولا يشعر بملكية جماعية لما يجري داخل المؤسسة التشريعية
في إطار إنجاز هذا الملف ، نزل فريق “إعلام تيفي” إلى الشارع المغربي بالضبط في مدينة الرباط بالقرب من البرلمان لاستطلاع آراء المواطنين حول علاقتهم بالمؤسسة التشريعية، ومدى تأثير الرقمنة على هذه العلاقة. وكانت الإجابات متفاوتة بين مؤيد يثمّن الخطوات الرقمية، وآخر يعتبرها شكلية لا تمس جوهر التواصل الفعلي.
سميرة، موظفة إدارية (34 سنة)، صرّحت بأنها أصبحت تتابع بعض الجلسات البرلمانية مباشرة عبر الإنترنت، واعتبرت أن “هذا تطور إيجابي يجعل المواطن على دراية بما يجري تحت القبة”، لكنها استدركت: “غير أن التفاعل ما زال منعدمًا… نحن نُشاهد فقط، ولا نشارك في القرار”.
أما ياسين، طالب جامعي (22 سنة)، فأكد أن البرلمان “ما زال بعيدًا عن المواطن”، موضحًا أن “المواقع الإلكترونية لا تنشر المعطيات بشكل سهل وواضح”، وأضاف: “لا أظن أن أغلب الشباب يعرفون اسم النائب الذي يمثلهم، فبالأحرى أن يتفاعلوا معه رقمياً”.
من جهته، يرى الحاج عبد القادر (متقاعد، 64 سنة) أن “الرقمنة كلام جميل، لكن المواطن في البادية لا يعرف حتى معنى البرلمان الإلكتروني”، مضيفاً: “الناس تحتاج لمن يصغي لهم، وليس فقط لمن ينشر النصوص القانونية على موقع لا يزورونه”.
في المقابل، عبرت لمياء، مهندسة إعلاميات (29 سنة) عن ارتياحها لما وصفته بـ”نقلة تقنية مهمة داخل البرلمان”، وأشادت بـ”نقل الجلسات والشفافية النسبية في عرض الوثائق القانونية”، لكنها دعت إلى “إنشاء تطبيقات أكثر تفاعلية تسمح بإرسال آراء واقتراحات مباشرة من المواطنين”.
في هذا السياق قال محمد أوبدة، الباحث في العلوم السياسية، إن العلاقة بين البرلمان والمواطن لا يمكن أن تعرف دينامية حقيقية دون رقمنة العمل التشريعي، مؤكدًا أن التحول الرقمي في المؤسسة البرلمانية يعزز الشفافية، ويقوي جسور التواصل بين ممثلي الأمة والمجتمع، ويُكرّس فعليًا مبدأ الديمقراطية التشاركية.
محمد أوبدة
“رقمنة البرلمان تعني أن المواطن يمكنه ولوجه من هاتفه، ومتابعة صناعة القرار بشفافية.”