هل تقود الرقمنة إلى برلمان أكثر شفافية ونجاعة؟ (ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر

شهد العمل البرلماني المغربي منذ بلورة استراتيجية البرلمان الإلكتروني في 2014، حيت شهد تطورًا نوعيًا من خلال اعتماد نظام جديد للاستنساخ الآلي لمحاضر الجلسات العمومية واجتماعات اللجان، ما يتيح استخراج المحاضر خلال ساعات فقط من انتهاء الاجتماعات.

 

كما تم رقمنة مختلف جوانب العمل التشريعي، من الأسئلة الشفهية والكتابية، إلى تتبع تعهدات الحكومة ودراسة النصوص القانونية والتصويت عليها، إضافة إلى تدبير اجتماعات المكتب واللجان، وتبادل المعطيات مع الجهات الحكومية. وقد شملت الرقمنة أيضًا كل ما يخص إدارة المجلس، من التدبير المالي والموارد البشرية إلى تنظيم شؤون النواب، واستقبال الصحافة والزوار، مع اعتماد التوقيع الإلكتروني في التعامل مع الخزينة العامة.

على صعيد آخر، تم رقمنة أكثر من 4 ملايين صفحة من الأرشيف الورقي لمجلس النواب منذ انطلاق التجربة البرلمانية، وتم توفيرها داخل الشبكة الداخلية. كما جرى اعتماد تدبير إلكتروني شامل للوثائق وحفظها، إلى جانب إنشاء مقر جديد للأرشيف يستوفي المعايير الدولية.

ساهم هذا التحول الرقمي في تقليص استعمال الورق بنسبة 90%، خصوصًا في ما يتعلق بطباعة مشاريع القوانين والتقارير. وقد تم تطوير بوابة إلكترونية موحدة لمجلسي النواب والمستشارين، تُوفر خدمات تفاعلية للمواطنين، مثل التعليق على النصوص القانونية، وطلبات الزيارة، والتكوين، والاستفادة من مكتبة البرلمان، وذلك بخمس لغات: العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية والإسبانية.

تشخيص الوضع الحالي للتجربة المغربية في رقمنة العمل البرلمان 

وفي سياق تعزيز الرقمنة بمجلس المستشارين، تم اعتماد حلول تقنية متقدمة لتتبع المسار التشريعي وتوثيق محاضر اللجان، مع توفير تطبيق إلكتروني لتدبير الأسئلة الشفهية والكتابية عن بعد، واستقبال الأجوبة الحكومية وإجراء الإحصائيات. كما تم بث جلسات المساءلة الأسبوعية والشهرية مباشرة عبر المنصات الرقمية، مع إعادة هيكلة البنية التحتية المعلوماتية وتجديد الموقع الإلكتروني للمجلس. وتعمل المؤسسة على تعزيز الأمن السيبراني وفقًا لمقتضيات القانون رقم 20.05، مع إنشاء أرشيف إلكتروني لحفظ الذاكرة البرلمانية، والاستعداد لمواصلة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والانفتاح الرقمي.

في هذا السياق سألنا غزلان حموش عضوة فالمكتب السياسي للحزب المغربي الحر حول تسهيل الرقمنة العمل التشريعي والرقابة اليومية للعمل البرلماني وأكدت المتحدثة أن الرقمنة أصبحت اليوم أداة محورية في تحديث العمل البرلماني وتعزيز فعاليته، خاصة في ظل السياق الليبرالي الذي يُؤمن بحرية الوصول إلى المعلومة وحق المواطن في التتبع والمساءلة.

وأوضحت ل”إعلام تيفي” أن التكنولوجيا الحديثة تُسهم بشكل فعّال في تقوية الشفافية وتيسير أداء المهام الرقابية والتشريعية بكفاءة أكبر، مما ينسجم مع مبادئ الحكامة الجيدة وخدمة الصالح العام.

غزلان تكتب عن "الاستعمار الجديد" - Tizpressوكشفت أن الحزب المغربي الحر بدأ يستفيد تدريجيًا من الأدوات الرقمية، لا سيما على مستوى التواصل الداخلي وتبادل الوثائق وعقد الاجتماعات عن بعد. غير أنها عبّرت عن أسفها لاستمرار هيمنة البيروقراطية والإجراءات الورقية داخل عدد من الإدارات، معتبرت أن تسريع وتيرة الرقمنة أمر ضروري لتجاوز ما وصفوه بالعراقيل المقصودة، وتمكين المبادرة الفردية وتحقيق برلمان أكثر دينامية وانفتاحًا، بعيدًا عن المعيقات التقليدية التي عفا عنها الزمن.

وشددت على أن الطموح هو الوصول إلى برلمان رقمي يعكس روح الليبرالية المعاصرة، يقوم على الكفاءة والشفافية والتفاعل الفوري مع المواطن. كما تم التأكيد على ضرورة خلق بيئة رقمية حاضنة للمنافسة العادلة، وتشجيع الابتكار السياسي، وتمكين جميع النواب من أدوات تكنولوجية فعّالة لخدمة قضايا المواطنين.

غزلان حموش

“المغرب الرقمي 2030” فرصة محورية لإرساء سوق رقمي سياسي يكرّس تكافؤ الفرص ويُقلص الفجوة بين المواطن وصانع القرار.

وفي هذا الإطار، أوضحت أن الرقمنة ليست مجرد تحول تقني، بل مشروع مجتمعي يتقاطع مع قيم الحرية، المسؤولية والمواطنة الفاعلة. وأعربت عن قلقها من التراجع الذي يشهده البرلمان المغربي، خاصة في ظل ما وصفوه بـ”حكومة الآفات”، بسبب تقييد نقل أشغال اللجان البرلمانية والتهديد بالتأديب في حال تسريب مضامينها، وهو ما يُناقض روح الشفافية التي تم تحقيقها مؤقتًا خلال فترة الجائحة.

توجهنا بعد كل ما قالته حموش حول تسهيل الرقمنة العمل التشريعي والرقابة اليومية للعمل البرلماني الى لمياء المازجي، المهتمة بالتكنولوجيا والتعليم، من اجل توضيح امكانية ادماج الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني.

وترى لمياء المازجي، المهتمة بالتكنولوجيا والتعليم، أن تحديث العمل البرلماني المغربي لم يعد خياراً ثانوياً، بل أصبح تحدياً مركزياً يفرض نفسه على جميع الفاعلين السياسيين. بالنسبة لها، لا يتعلق الأمر فقط بإدخال أدوات ذكية، بل بإعادة هيكلة شاملة للمؤسسة التشريعية تجعل من الرقمنة والذكاء الاصطناعي ركيزتين أساسيتين لحسن الأداء.

El Mazigi Lamia | ‎لا تفوتوا الموعد! مباشرة بعد مسلسل إلى ضاق الحال، ألتقيكم في برنامج شباب في الواجهة مع الإعلامي المهدي محيب على القناة الأولى‎ | Instagramوترى المازجي أن البرلمان المغربي يواجه اليوم مجموعة من الإشكاليات البنيوية؛ أبرزها البطء في التجاوب مع الملفات الاجتماعية الملحة، وتراكم التشريعات دون آليات ناجعة لدراستها وتحليل أثرها بدقة. وهو ما يؤدي إلى فجوة حقيقية بين النصوص المصادق عليها وحاجيات المجتمع الواقعية. من هنا، تبرز الحاجة – حسب المازجي – إلى حلول خارج الصندوق تستند إلى أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الحديثة.

وتُبرز المازجي أن الذكاء الاصطناعي بات اليوم قادرًا على تغيير قواعد اللعبة داخل قبة البرلمان، ليس فقط عبر تسريع معالجة النصوص القانونية ومقارنتها بالمعايير الدولية، بل أيضًا من خلال دعم النواب في الصياغة الدقيقة للمقترحات، وإجراء تنبؤات علمية حول تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية قبل إقرارها.

لمياء المازجي

“فتح أبواب البرلمان أمام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا تكنولوجيًا، بل استثمار في مستقبل الديمقراطية المغربية.”

وتلفت إلى دور الذكاء الاصطناعي في تحليل اتجاهات الرأي العام وتتبع التفاعلات حول القضايا التشريعية، مما يساعد البرلمانيين على بناء قرارات أكثر ارتباطًا بالواقع، وأكثر تجاوبًا مع تطلعات الناس. لكن رغم هذا الأفق الواعد، تُحذر المازجي من الانسياق الأعمى وراء التكنولوجيا دون تأطير قانوني وأخلاقي صارم.

وتنبه إلى أن إدماج هذه التقنيات داخل مؤسسة سيادية مثل البرلمان يفرض احترام ضوابط دقيقة: حماية المعطيات الشخصية، ضمان عدم تحيز الخوارزميات، وتكوين مستمر للأطر البرلمانية كي لا تُخلق فجوة رقمية داخل المؤسسة نفسها.

أما على مستوى العلاقة بين البرلمان والمواطن، فتقترح المازجي نموذجًا تواصليًا جديدًا يعتمد على الروبوتات الذكية ومنصات رقمية تفاعلية تُمكن المواطن من تتبع النقاشات التشريعية، تقديم اقتراحات، والمشاركة في تقييم المبادرات القانونية. هذا التحول، بحسبها، كفيل بإعادة الثقة في المؤسسات وتعزيز ثقافة المشاركة المواطنة.

ومن خلال جوابها حول أثر الرقمنة على علاقة البرلمان والمواطن فتحن المحول الثاني من الملف .

أثر الرقمنة على علاقة البرلمان والمواطن

تكشف المعطيات الميدانية والمؤشرات الرقمية أن البرلمان المغربي لم يعُد تلك المؤسسة المنغلقة التي لا يُسمع صوتها إلا عبر الجلسات الرسمية. منذ 2014، بدأت معالم برلمان رقمي في التشكل: وثائق متاحة، جلسات تُبث مباشرة، أرشفة إلكترونية، واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في النسخ والمحاضر. بل أكثر من ذلك، خفّضت الرقمنة من التكاليف اللوجستية، وساهمت في تسريع بعض المساطر، كما حدث مع مشروع قانون المالية سنة 2021.

لكن، في مقابل هذا التقدم التقني، لا تزال العلاقة مع المواطن يشوبها نوع من القطيعة الرقمية التواصلية. المواطن يرى، يقرأ، وربما يُحمّل الوثائق، لكنه لا يشارك في صناعة القرار ولا يشعر بملكية جماعية لما يجري داخل المؤسسة التشريعية

في إطار إنجاز هذا الملف ، نزل فريق “إعلام تيفي” إلى الشارع المغربي بالضبط في مدينة الرباط بالقرب من البرلمان لاستطلاع آراء المواطنين حول علاقتهم بالمؤسسة التشريعية، ومدى تأثير الرقمنة على هذه العلاقة. وكانت الإجابات متفاوتة بين مؤيد يثمّن الخطوات الرقمية، وآخر يعتبرها شكلية لا تمس جوهر التواصل الفعلي.

سميرة، موظفة إدارية (34 سنة)، صرّحت بأنها أصبحت تتابع بعض الجلسات البرلمانية مباشرة عبر الإنترنت، واعتبرت أن “هذا تطور إيجابي يجعل المواطن على دراية بما يجري تحت القبة”، لكنها استدركت: “غير أن التفاعل ما زال منعدمًا… نحن نُشاهد فقط، ولا نشارك في القرار”.

أما ياسين، طالب جامعي (22 سنة)، فأكد أن البرلمان “ما زال بعيدًا عن المواطن”، موضحًا أن “المواقع الإلكترونية لا تنشر المعطيات بشكل سهل وواضح”، وأضاف: “لا أظن أن أغلب الشباب يعرفون اسم النائب الذي يمثلهم، فبالأحرى أن يتفاعلوا معه رقمياً”.

من جهته، يرى الحاج عبد القادر (متقاعد، 64 سنة) أن “الرقمنة كلام جميل، لكن المواطن في البادية لا يعرف حتى معنى البرلمان الإلكتروني”، مضيفاً: “الناس تحتاج لمن يصغي لهم، وليس فقط لمن ينشر النصوص القانونية على موقع لا يزورونه”.

في المقابل، عبرت لمياء، مهندسة إعلاميات (29 سنة) عن ارتياحها لما وصفته بـ”نقلة تقنية مهمة داخل البرلمان”، وأشادت بـ”نقل الجلسات والشفافية النسبية في عرض الوثائق القانونية”، لكنها دعت إلى “إنشاء تطبيقات أكثر تفاعلية تسمح بإرسال آراء واقتراحات مباشرة من المواطنين”.

في هذا السياق قال محمد أوبدة، الباحث في العلوم السياسية، إن العلاقة بين البرلمان والمواطن لا يمكن أن تعرف دينامية حقيقية دون رقمنة العمل التشريعي، مؤكدًا أن التحول الرقمي في المؤسسة البرلمانية يعزز الشفافية، ويقوي جسور التواصل بين ممثلي الأمة والمجتمع، ويُكرّس فعليًا مبدأ الديمقراطية التشاركية.

محمد أوبدة

“رقمنة البرلمان تعني أن المواطن يمكنه ولوجه من هاتفه، ومتابعة صناعة القرار بشفافية.”

وأكد أوبدة أن رقمنة المؤسسة التشريعية تأتي في سياق عام يعرفه المغرب منذ سنوات، حيث شهدت الإدارة العمومية والمؤسسات العامة تحولًا تدريجيًا نحو الرقمنة، ما يعكس التزام البلاد بتفعيل مقتضيات دستور 2011، خاصة فيما يتعلق بالحكامة الجيدة واستمرارية المرفق العمومي. وسجل الباحث أن البرلمان بدوره استفاد من هذا المسار، حيث شهدت مصالحه تطورًا إيجابيًا من خلال اعتماد أنظمة رقمية تتيح نشر القوانين المصادق عليها، وبث الجلسات العمومية، وتوثيق مداولات اللجان على المنصات الإلكترونية.

وأوضح أوبدة أن الأثر الإيجابي لهذا التوجه لا يقتصر فقط على تحسين الأداء الداخلي للبرلمان، بل يمتد أيضًا إلى تسهيل الولوج إلى المعلومة بالنسبة للباحثين والطلبة، الذين أصبح بإمكانهم الاستفادة من الأرشيف الرقمي للوثائق البرلمانية، ما يثري البحث العلمي حول العمل التشريعي ويمنح الأكاديميين أدوات تحليل دقيقة ومفتوحة.

وكشف أوبدة أن البوابة الرقمية للبرلمان المغربي أضحت وسيلة مهمة لتعريف المواطنين، داخل المغرب وخارجه، بكيفية اشتغال المؤسسة التشريعية، مشيرًا إلى أن هذه الرقمنة تتيح تتبع مسار القوانين، ومعرفة حيثيات التصويت والتعديلات التي تطرأ على النصوص، خاصة القوانين الحيوية كقانون المالية، الذي يهم جميع الفئات والقطاعات داخل الدولة.

وأشار إلى أن تمكين المواطنين من تتبع ما يجري داخل البرلمان عبر هواتفهم الذكية أو حواسيبهم يمثل تحولًا نوعيًا، يسهم في توسيع دائرة المشاركة وفي بناء وعي جماعي بالشأن السياسي. وأوضح أن هذا الانفتاح الرقمي لا يُمكّن فقط من مساءلة المنتخبين، بل يُسهم في تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات، وهو أحد الأهداف الأساسية للديمقراطية الحديثة.

وشدد أوبدة على أن رقمنة البرلمان تُعد خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو دمج الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة في تسيير المؤسسات. كما اعتبر أن هذا التحول يجب أن يُرافق بإطار قانوني صارم يضمن حماية المعطيات الشخصية، ويوفر تكوينًا مستمرًا لموظفي البرلمان، لضمان فعالية استعمال الأدوات الرقمية والحد من الفجوة التقنية داخل المؤسسة.

وختم أوبدة حديثه بالتأكيد على أن البرلمان الرقمي، كما يتصوره، هو مؤسسة تشريعية مفتوحة، شفافة، فعّالة، ومتفاعلة مع انتظارات المواطنين، مشددًا على أن الرقمنة ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة ديمقراطية لبناء مؤسسات قوية وعادلة.

بعد هذا النقاش والحديث عن ادماج الرقمنة في العمل البرلماني وأثره في علاقته مع المواطن تسائلنا عن

 كيف هي وضعية البنية التحتية الرقمية للبرلمان المغربي؟

للإجابة عن هذا السؤال اتجهنا الى علي أَرجدال، الباحث المتخصص في قضايا الخصوصية والأمن السيبراني، طرحنا عليه مجموعو من الاسئلة كالمخاطر السيبرانية التي قد تهدد مؤسسة حساسة مثل البرلمان؟ وغيرها

أكد علي أَرجدال، الباحث المتخصص في قضايا الخصوصية والأمن السيبراني، أن البنية التحتية الرقمية للبرلمان المغربي شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد جائحة كوفيد-19، التي كانت بمثابة محفز قوي للتحول الرقمي داخل المؤسسات العمومية، ومنها البرلمان. وأوضح أن هذا التطور شمل إدماج أدوات تكنولوجية حديثة، مثل نظام إدارة الجلسات عن بُعد، ورقمنة الوثائق، وتحديث طرق الربط الإلكتروني بين اللجان البرلمانية.

غير أن الباحث شدد، في حديثه، على أن هذا التقدم لا يعفي المؤسسة التشريعية من تحديات هيكلية بارزة، في مقدمتها ضعف التكوين في الأمن السيبراني، وغياب سياسة موحدة لحماية البنية الرقمية للبرلمان. كما أشار إلى أن بعض الأنظمة الرقمية تعتمد على برمجيات أجنبية، مما يثير إشكالات على مستوى السيادة الرقمية، ويجعل المؤسسة عرضة للتجسس أو الاختراق.

وكشف أرجدال أن البرلمان المغربي، بالمقارنة مع برلمانات دول الشمال الأوروبي، لا يزال في مرحلة الانتقال من الرقمنة الوظيفية إلى الرقمنة الآمنة والمؤطرة بمعايير صارمة، معتبرًا أن هذه النقلة ضرورية لحماية مؤسسة تشكل العمود الفقري للديمقراطية المغربية.

وفي ما يتعلق بأبرز التهديدات السيبرانية، أوضح الباحث أن البرلمان يمثل هدفا استراتيجيا لهجمات سيبرانية متقدمة (APT)، تسعى إلى التجسس على المناقشات السياسية أو التأثير في صناعة القرار. وأضاف أن الوثائق التشريعية، وجداول الأعمال، والبث المباشر للجلسات، تمثل كلها نقاط ضعف قد تستغلها جهات خارجية لأغراض استخباراتية أو تضليلية أو حتى للابتزاز الرقمي.

وأشار أرجدال إلى أن الاستعمال غير الآمن للأجهزة الشخصية من طرف بعض البرلمانيين، يفتح الباب أمام اختراقات محتملة تهدد خصوصية النقاشات الداخلية، وقد تقوض الثقة في المؤسسة برمتها، كما حدث في تجارب دولية مثل البرلمان البريطاني سنة 2017.

وفي هذا السياق، شدد المتحدث على أن الأمن السيبراني البرلماني ليس مجرد قضية تقنية، بل رهان ديمقراطي حقيقي، لأنه يطال مصداقية المؤسسة وشفافية عملها. وأضاف أن جلسات البرلمان، وخاصة المرتبطة بالميزانية والدفاع والسيادة، تُعد أهدافًا عالية القيمة في الحروب السيبرانية المعاصرة.

وللتصدي لهذه التحديات، دعا أرجدال إلى تطوير سياسة وطنية متكاملة لحماية المنظومة الرقمية للبرلمان، ترتكز على أربعة أبعاد: الحكامة السيبرانية، التكوين الرقمي، التقييم الدوري، والسيادة الرقمية. كما شدد على ضرورة الانتقال من منطق “الاستجابة” إلى منطق “الاستباق والتحصين”، عبر اختبار الأنظمة بانتظام والاستفادة من التجارب الدولية الرائدة، مع مراعاة خصوصية السياق المغربي.

علي أرجدال 
“لا يمكننا الحديث عن برلمان رقمي حقيقي دون منظومة أمن سيبراني محكمة تحفظ السيادة، وتحصن الثقة، وتضمن استمرارية العمل الديمقراطي.”

مقارنة مع تجارب أجنبية (تونس نمودجا)

في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتعاظم انتظارات المواطنين من ممثليهم، بات من اللازم مساءلة العمل البرلماني في المنطقة العربية عن مدى انفتاحه على الرقمنة، ليس فقط كأداة تقنية، بل كوسيلة لإعادة بناء الثقة المفقودة. وفي هذا السياق، تُطرح تجربة كل من المغرب وتونس كنموذجين يمكن استقراء مسارهما الرقمي لتحديد مكامن التقدم والقصور.

رغم انتمائهما لنفس السياق المغاربي، يقدّم المغرب وتونس مسارين مختلفين في تعاطيهما مع رقمنة العمل البرلماني: الأول يتسم بالاستمرارية التقنية لكن ببطء في إشراك المواطن، والثاني عرف انطلاقة قوية نحو الشفافية، لكنها تعرضت لتوقف سياسي.

منذ سنة 2014، شرع البرلمان المغربي في تنزيل مشروع “البرلمان الإلكتروني”، حيث تم إحداث مركز بيانات متطور، وتطوير أنظمة رقمية لتدبير الجلسات والوثائق والأسئلة البرلمانية، كما تم تعميم الأجهزة اللوحية على النواب، واعتماد البث المباشر للجلسات ومحاضر رقمية تُنشر بسرعة.

كما شهدت سنة 2021 تجربة مهمة في رقمنة مسطرة مناقشة قانون المالية، عبر منصة تفاعلية داخلية مكّنت من تسريع وتيرة صياغة التعديلات وتتبعها رقمياً.

قبل حل البرلمان التونسي في 2021، نجح مجلس نواب الشعب في إرساء تجربة رقمية جد متقدمة على الصعيد العربي. فقد تم تطوير موقع إلكتروني غني بالمعلومات، مع بث مباشر وأرشفة مرئية للجلسات العامة، إلى جانب نشر نتائج التصويت حسب النواب بالاسم والصوت، في خطوة عززت الشفافية والمساءلة.

لكن النقلة النوعية جاءت من خلال شراكة غير مباشرة مع المجتمع المدني، عبر منصة “مرصد مجلس نواب الشعب”، التي مكّنت من تحليل أداء النواب، وتتبع مشاريع القوانين، ونشر تقارير تفاعلية مبسّطة للمواطنين.

كما شهدت تونس بداية تجريب أدوات رقمية للاستشارة العمومية، مما أتاح للمواطنين الإدلاء بآرائهم حول بعض القوانين ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي.

ومع أن السياق السياسي الراهن جمّد التجربة، إلا أن البنية الرقمية والمؤسساتية لا تزال مرجعاً في مجال الشفافية البرلمانية عربياً.

رغم الاضطرابات السياسية التي شهدتها تونس بعد 2021، تظل تجربتها الرقمية في المجال البرلماني من بين الأكثر نضجاً في المنطقة العربية. فقد سعى مجلس نواب الشعب قبل حله إلى تطوير مسار شفاف وتفاعلي مع المواطنين، مدعوماً برؤية تقنية واضحة ومبادرات مدنية مرافقة.

أبرز مظاهر الرقمنة في البرلمان التونسي بوابة إلكترونية رسمية تحتوي على مشاريع القوانين، مضامين الجلسات، جداول الأعمال، وتشكيلة اللجان النيابية. البث المباشر لكل الجلسات العامة، مع أرشفتها لاحقاً صوتاً وصورة، ما سمح بتتبع دقيق وحر من طرف الصحفيين والمواطنين.  نشر تقارير مفصلة عن التصويت، تشمل أسماء النواب، مواقفهم، ونِسَب الحضور، وهو ما شكّل سابقة على الصعيد العربي في مجال الشفافية البرلمانية.

منصة “مرصد مجلس نواب الشعب” تعتبر أداة رقمية غير حكومية لكنها مؤثرة، تُستخدم لتقييم أداء النواب، وتحليل المعطيات التشريعية بلغة بيانات مبسّطة. ساهمت في رفع وعي المواطن بأداء ممثليه. بداية استخدام أدوات الاستشارة العمومية الرقمية في بعض مشاريع القوانين ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، عبر منصات مفتوحة للجمهور.

وتسمح هذه الامكانيات من توفر معلومات دقيقة وحديثة. سهولة الاستخدام والتصفح. دعم من المجتمع المدني الرقمي، مما عزز الرقابة المجتمعية.

لكن ما زالت تونس تواجه عدة تحديات فبعد حل البرلمان سنة 2021 من طرف رئيس الجمهورية، توقفت التجربة مؤقتاً، ما ألقى بظلال من الشك على استمرارية ورش الرقمنة البرلمانية. وغياب الإطار التشريعي المؤسِّس لمنظومة الاستشارة الرقمية، مما جعل بعض المبادرات غير مُمأسسة.

وتُظهر مقارنة التجربتين أن الرقمنة ليست غاية في حد ذاتها، بل أداة. فبقدر ما تطورت البنى التقنية، يظل التحدي الأساسي هو فتح المجال أمام المواطن ليكون شريكًا لا مجرد متفرج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى