هل فعلا ربحنا المعركة؟ (قراءة نقدية في خطاب الانتصار الرمزي للوزير المغربي السيد السعدي)

د.يوسف الادريسي الحسني*
*رئيس الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الإنسان-باريس
هل فعلا ربحنا المعركة؟ قراءة نقدية في خطاب الانتصار الرمزي للوزير المغربي السيد السعدي.
حين يخرج وزير في الحكومة المغربية مثل السيد السعدي ليعلن بنبرة انتصارية أن المغرب “ربح المعركة” بمجرد تسجيل القفطان المغربي والزليج التطواني وغيرهما من الرموز الثقافية، فإننا أمام حالة نموذجية من الخطاب الاحتفالي الفارغ الذي يغلف العجز السياسي بقشرة لفظية لا تصمد أمام التحليل الرصين.
لا يمكن بأي حال اعتبار إدراج عنصر ثقافي في سجل تراثي دولي بمثابة نصر وطني حاسم، لأن مفهوم المعركة الثقافية لا يتعلق فقط بإجراءات إدارية باردة، بل يتجاوزها إلى مشروع وطني طويل المدى، يتطلب رؤية، وتخطيطا استراتيجيا، ومؤسسات قوية، ودبلوماسية ثقافية حقيقية، وقدرة على النفاذ إلى الفضاء العالمي عبر أدوات التأثير الناعم.
الواقع أن الدولة المغربية، منذ عقود، لم تتبن سياسة عمومية متماسكة لحماية تراثها المادي واللامادي، بل كانت ولا تزال تكتفي بردود الفعل المتأخرة والموسمية، وكأنها تتحرك فقط تحت ضغط الصدمات الرمزية التي تخلقها حملات السطو المنظم من طرف بعض الأنظمة المجاورة.
وهنا تبرز الهوة الفاصلة بين الخطاب السياسي وبين الواقع الثقافي على الأرض، فبينما تتحدث الجزائر، مثلا، لغة الهيمنة الرمزية وتستثمر أجهزتها في تزوير النسب التراثي، ما تزال المؤسسات المغربية تتعامل مع الموضوع بمنطق دفاعي هش وبدون أي امتداد دولي حقيقي.
إن تسجيل القفطان أو الزليج في دفاتر المنظمات الدولية لا يمنع، لا اليوم ولا غدا، من أن تقوم أطراف معادية بالترويج لهذه الرموز ذاتها داخل منظومات ثقافية وإعلامية ومالية تربطها بهويتها المزورة، ما لم يكن المغرب نفسه هو من يحتكر السردية الكبرى حول هذا التراث في المخيال العالمي.
الدول لا تنتصر في المعارك الثقافية عن طريق الإعلانات السياسية، بل تفرض هويتها من خلال التموقع الذكي في الاقتصاد الرمزي للعالم، ومن خلال ربط تراثها بالإنتاج، والتسويق، والتعليم، والصناعة الإبداعية، والبحث الأكاديمي، والترافع الدولي.
وما قامت به الحكومة المغربية لا يتعدى أن يكون تداركا متأخرا لأخطاء سابقة وتراخ طويل المدى، لا يرقى بأي حال إلى مقام “الربح”. فالفوز لا يكون على الورق، بل حين تتبنى الأمم رموزك عن وعي، وتحترم مصدرها، وتحيل عليها باسم بلدك، لا باسم جار يختطف كل شيء، من الطبق إلى اللباس، مرورا بالأغنية والرقصة والفسيفساء.
الوزير الذي يعلن الانتصار قبل بدء المعركة هو نفسه الذي يعلن الهزيمة عند أول خسارة.الخطاب الذي يبيع الوهم للمواطنين لا يخدم قضية الهوية الوطنية، بل يضعفها، ويمنح الخصم فرصة إضافية لتوسيع سيطرته على الفضاء الرمزي الإقليمي والدولي.
ونحن، في الحقيقة، لم نربح شيئا بقدر ما كشفنا عن مدى هشاشتنا في تدبير ملف كبير مثل ملف التراث، الذي يفترض أن يدار بمستوى سيادي لا ببيانات وزارية مرتجلة.
سيدي الوزير، إن المعارك الثقافية لا تخاض بالبلاغات الصحفية بل بالخطط الاستراتيجية. توقف عن تهنئة نفسك على إنجاز لا يعد مكسبا بقدر ما هو تدارك مؤقت لفراغ قاتل. من الأفضل أن تصمت وتشتغل، بدل أن تتكلم وتكشف ضعفك.