هل يفتح الإنترنيت أبواب الحب أم يغرقنا في أوهام العلاقات؟ (ملف)

فاطمة الزهراء ايت ناصر

شهدت العلاقات العاطفية تحولات جذرية بفعل الثورة الرقمية، أصبحت الوسائط الرقمية مثل تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية لبناء العلاقات الشخصية والعاطفية.

في هذا الإطار، قام طاقم “إعلام تيفي” باستطلاع رأي في الشارع العام حول موضوع التعارف عبر الإنترنت وتأثيره على العلاقات الاجتماعية.

في هذا السياق، شارك كل من حمزة وفاطمة برؤيتهما حول كيف يمكن لهذه التطبيقات أن تُسهم في توسيع دائرة المعارف وتسهيل بناء علاقات ناجحة، خاصة في ظل العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم.

وأكد حمزة، شاب في الثلاثينيات من عمره، أن التعارف عبر الإنترنت فرصة رائعة لتوسيع دائرة المعارف، خاصة لمن لا يملكون الوقت الكافي للقاء أشخاص جدد في الحياة اليومية. وأضاف: “بفضل هذه التطبيقات، تمكنت من التعرف على شريكة حياتي، وكانت علاقتنا قائمة على التفاهم والاحترام قبل أن تتطور إلى زواج ناجح، واليوم زوجتي حامل وبعد شهور سأصبح أب لأجمل إبنة في الكون”.

من جهتها، أوضحت فاطمة، باحثة في علم الاجتماع، أن التعارف عبر الإنترنت أصبح ضرورة في العصر الحديث، حيث يوفر بيئة آمنة ومريحة للأشخاص الخجولين أو أولئك الذين يجدون صعوبة في بناء علاقات تقليدية. كما أشارت إلى أن بعض التطبيقات تعتمد على خوارزميات متطورة تساعد في تحقيق التوافق بين الأشخاص بناءً على اهتماماتهم وقيمهم المشتركة.

نجاح العلاقات بين الواقع والمواقع

في زمننا الحالي، أصبح التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ تتيح لنا هذه المنصات فرصة التعرف على أشخاص جدد وبناء علاقات مختلفة. لكن، هل كل هذه العلاقات تعتبر جادة؟ وهل يمكن الاعتماد عليها؟ أسئلة طرحناها على هشام بلبشير، خبير العلاقات الزوجية والمرافقة الأسرية، ليؤكد لنا أن هناك مجموعة من النقاط التي تساعد على التمييز بين العلاقات الجادة وتلك التي تفتقر إلى المصداقية.

وأشار بلبشير ل”إعلام تيفي” إلى أن التواصل عبر الإنترنت يمكن أن يكون مجرد أداة للتعارف والتواصل، لكن النجاح الفعلي للعلاقات يتطلب انتقال هذا التواصل إلى الواقع. فالعلاقات التي تقتصر فقط على المحادثات عبر الإنترنت لفترة طويلة، تتسم بغياب العمق والمصداقية.

وأضاف بلبشير أنه إذا كانت العلاقة تقتصر على التواصل عبر العالم الرقمي لمدة ستة أشهر أو أكثر دون لقاء في الواقع، فإنه يمكن القول أن هذه العلاقة غير جادة. فقد يكون الشخص الآخر قد قام ببناء صورة مثالية عبر الإنترنت، بينما في الواقع قد يختلف الأمر تمامًا.

من المؤشرات الأخرى التي حذر منها بلبشير هي الطلبات التي تخرج عن الأخلاق أو القيم الاجتماعية، مثل طلب المال أو تجاوز الحدود في العلاقة. هذه التصرفات تشير إلى أن الشخص الآخر قد يكون غير جاد في بناء علاقة سليمة. كما أضاف أنه إذا كان الشخص يغير كلامه أو يتناقض في تصريحاته، فهذا يعد من أبرز العلامات التي يجب أن تنبهنا وتحذرنا من الاندفاع في العلاقة.

هشام بلبشير

“مواقع التواصل الاجتماعي هي مجرد وسيلة، والنجاح الفعلي للعلاقة لا يتحقق إلا إذا تم الانتقال إلى الواقع”

وبالنسبة للأخصائي يبقى التواصل عبر الإنترنت مجرد بداية، فبمجرد أن يبدأ الشخصان في التفاعل، يجب أن يتحولا إلى اللقاء في الواقع لكي تتمكن العلاقة من النمو بشكل صحيح. موضحا أن “التعارف الحقيقي” لا يتحقق إلا عندما يتقابل الشخصان ويتناقشان في مواضيع معقولة وعميقة. وهذا يعتبر جزءًا أساسيًا من بناء الثقة وفهم الآخر بشكل أفضل وإثبات جدية العلاقة.

واحدة من النصائح المهمة التي أكد عليها بلبشير هي ضرورة الحذر في تبادل المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. قائلا:”لا يجب أن يتم الكشف عن أي معلومات حساسة أو بيانات خاصة إلا بعد التأكد من أن العلاقة تستحق الثقة وأن الشخص الآخر جاد في التعامل. إذ أن بعض الأشخاص قد يستغلون هذه المعلومات بطرق غير أخلاقية”.

وأكد بلبشير أن النية الطيبة تظل العامل الحاسم في نجاح أي علاقة. موضحا أن الوصول إلى خطوة “اللقاء الرسمي” مع العائلة هو العلامة الواضحة على أن العلاقة جادة. فالتعرف على العائلة والالتزام بالخطوات الاجتماعية الصحيحة يساهم في بناء أساس قوي لعلاقة صحية ومستدامة.

التأثيرات النفسية للعلاقات العاطفية عبر الوسائط الرقمية

أثرت الثورة الرقمية بشكل كبير على كيفية تواصل الأفراد وبناء علاقاتهم العاطفية، أصبحت الوسائط الرقمية مثل مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة تشكل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية. ومع هذه التحولات، ظهرت مجموعة من التأثيرات النفسية العميقة على الأفراد، خصوصًا في سياق العلاقات العاطفية.

وهذا ما أكده فؤاد يعقوبي، الأخصائي النفسي الاجتماعي، حيث اعتبر العلاقات الرقمية قد تحمل في طياتها أضرارًا نفسية كبيرة، تتراوح بين فقدان الثقة بالنفس والآخرين، وصولاً إلى الاضطرابات العاطفية مثل القلق والاكتئاب.

وأشار الأخصائي ل”إعلام تيفي” الى ان الفهم السليم للتأثيرات النفسية للعلاقات العاطفية عبر الوسائط الرقمية يتطلب استحضار مفاهيم علم النفس الاجتماعي.

فالعلاقات الإنسانية، حسب يعقوبي، تُبنى عبر التفاعل الرمزي الذي يشمل الكلمات والإشارات غير اللفظية.

وأشار الأخصائي الى أن الفضاء الرقمي، يغيب فيه الحضور الجسدي وتستبدل الإشارات الطبيعية برموز مصطنعة، مما يؤدي إلى إدراك غير دقيق للآخر. وعليه، فإن بناء علاقة عاطفية على هذه الأسس قد يؤدي إلى تشكيل تصورات وهمية عن الشخص الآخر، وبالتالي تنشأ علاقات قد تكون بعيدة عن الواقع، مما يساهم في وقوع الأفراد في فخ العلاقات غير المتوازنة.

من جانب آخر، أشار يعقوبي الأمين العام للمنظمة الوطنية للدعم والتمكين النفسي الإجتماعي ورئيس الجمعية المغربية للطلبة الباحثين في علم النفس الإجتماعي إلى أن الأشخاص الذين يستثمرون مشاعرهم ووقتهم بشكل مكثف في العلاقات العاطفية عبر الوسائط الرقمية يكونون الأكثر عرضة للأضرار النفسية.

فؤاد يعقوبي

” الارتباط العاطفي مع شخص عبر الانترنيت يكون مبنيًا على تصورات غير واقعية، مما يعرض الأفراد للخذلان والصدمة عندما تنكشف هذه العلاقات عن حقيقتها”

وأكد يعقوبي أن هؤلاء الأفراد يصبحون عرضة للآثار النفسية السلبية مثل فقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، حيث تصبح هذه العلاقات الرقمية بمثابة عبء نفسي، مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات مثل القلق والاكتئاب في الحالات القصوى.

وأوضح يعقوبي أن الوسائط الرقمية قد تساهم في ظهور ظاهرة التلاعب العاطفي من خلال شخصيات وهمية، وهي ظاهرة تحدث بشكل خاص في الفضاء الرقمي. حيث يمكن أن ينشأ شخص ملامح غير حقيقية لشخصيته، ويؤدي ذلك إلى التورط العاطفي مع شخصية مصطنعة تمامًا.

هذا التلاعب العاطفي حسب الأخصائي يمكن أن يسبب أضرارًا نفسية كبيرة، ليس فقط من خلال الخيبة العاطفية، بل من خلال التأثير على التصور العام للذات وللآخرين. كما أشار المصطفى الشكدالي، المختص في علم النفس الاجتماعي، إلى أن الرقمنة قد أدت إلى “التشظي الهوياتي”، مما يعزز ظاهرة الشخصيات الوهمية ويزيد من المخاطر النفسية المرتبطة بهذه العلاقات.

من أجل مواجهة هذه المخاطر، أكد يعقوبي على ضرورة أن تتبنى المؤسسات التربوية دورًا استباقيًا في تقديم التربية العاطفية والرقمية للشباب، لتزويدهم بالأدوات اللازمة لفهم ديناميكيات العلاقات عبر الإنترنت وتحليلها بشكل نقدي. كما يتطلب الأمر من الأخصائيين النفسيين تطوير آليات مواكبة تتلاءم مع هذا الواقع الجديد، حيث لا تكفي الأدوات التقليدية لفهم تأثيرات العلاقات الرقمية وآثارها النفسية على الأفراد.

بين الحلال والحرام

التعارف بين الشباب والفتيات عبر الإنترنت، ولو بنية الزواج، قد يؤدي إلى مفاسد، فيجب الحذر منه. لذا، يجب عليك إنهاء هذه العلاقة وعدم التهاون بحجة الخوف من ضياع فرصة الزواج.

وأكد محمد مولين، الباحث في الدراسات الإسلامية، أن التعارف بين الشباب والفتيات عبر الإنترنت، حتى وإن كان بغرض الزواج، قد يؤدي إلى مفاسد ومخاطر شرعية.

وكشف الباحث ل”إعلام تيفي” أن هذه العلاقات، مهما كانت نواياها، قد تفتح أبواب الفتنة وتؤدي إلى التعلق العاطفي غير المشروع، لذلك، شدد على ضرورة إنهاء مثل هذه العلاقات وعدم التهاون فيها بحجة الخوف من ضياع فرصة الزواج، مؤكدًا أن الزواج رزق مقدر من الله، ولن يمنع أحدٌ نصيبه بالالتزام بالطريق الشرعي.

محمد مولين

“من كان جادًا في الزواج، فعليه  التقدم رسميًا لخطبة الفتاة، بدلًا من اللجوء إلى مواقع التواصل والعلاقات غير الرسمية، التي قد تكون من تلبيسات إبليس، والعياذ بالله”

وأشار الباحث أن مثل هذه العلاقات يجب إنهائها، ولا يجوز الاستمرار فيها بحجة الخوف من ضياع فرصة الزواج.

وأوضح مولين أن من لم يكن قادرًا على الزواج، فعليه أن يشغل نفسه بما يفيده في دينه ودنياه، ويسعى لتحسين أوضاعه المادية والاجتماعية، حتى يكون مستعدًا للزواج عند تيسر الظروف. أما إذا كان هناك تفاهم بين الطرفين، فيمكن التقدم رسميًا لخطبة الفتاة مع الاتفاق على الانتظار، لكن دون أي علاقة شخصية حتى يتم عقد الزواج الشرعي.

وأكد المتحدث أن الالتزام بالضوابط الشرعية هو السبيل الأمثل لبناء علاقة زوجية قائمة على الاحترام والصدق.

محمد مولين

“من ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه، ومن التزم بالطريق الصحيح، بارك الله له في زواجه ورزقه السعادة والاستقرار”

منصات المواعدة بين الربح المالي والاستغلال العاطفي

انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من التطبيقات والمواقع الإلكترونية المخصصة للزواج، بإعتبارها وسيلة فعالة للبحث عن شريك الحياة. هذه التطبيقات تهدف إلى تسهيل عملية التعارف بين الأشخاص الذين يسعون للارتباط، وتمكنهم من التفاعل مع بعضهم البعض عبر الإنترنت بدلاً من الطرق التقليدية. وقد لاقت هذه التطبيقات رواجًا واسعًا، خاصة في ظل الحياة السريعة والانشغال اليومي، مما يجعل من الصعب على البعض العثور على شريك بالطريقة التقليدية.

ومع تزايد الإقبال على هذه التطبيقات، ظهرت بعض المخاوف بشأن الجوانب الإنسانية للعلاقات التي تبدأ عبر الإنترنت. في بعض الأحيان، قد يغلب عليها منطق الربح المادي، مما يثير تساؤلات حول مصداقية هذه الخدمات وحجم تأثيراتها على العلاقات العاطفية. للأسف، ظهرت حالات عديدة استفاد فيها بعض الأفراد من هذه المنصات للنصب والاحتيال، مما يجعل عملية الزواج الإلكتروني أكثر تعقيدًا وصعوبة في بعض الأحيان.

ومع الانتشار المتزايد لهذه التطبيقات، أصبح بإمكان الأفراد تحديد معايير معينة للبحث عن شريك الحياة، مثل العمر، المهنة، الخلفية الثقافية، وغيرها من الخصائص الشخصية. هذا النوع من الزواج الإلكتروني يقدم للباحثين عن شريك فرصة أكبر للعثور على شخص يناسبهم وفقًا لاحتياجاتهم وتطلعاتهم.

وكشفت زبيدة سيدة تلاثينية  انها تعرضت للنصب عن طريق منصة للمواعدة اشترطت عليها تقديم تسبيق نقدي للاستفادة من خدماتها من اجل اقتراح رجل تكمن فيه المواصفات التي تبحث عنها.

وأشارت ل”إعلام تيفي”  أن بعض الأسماء المعروفة في مواقع التواصل الاجتماعي هي السبب في توجهها الى مثل هذه الطرق وقالت|: “محتوى الرجل معروف بالدين وكلام الرسول بعدما روج الى تطبيق للمواعدة فكرة في الفكرة بما أنها غير حرام كما يزعم القول  إلا أنني تعرضت الى النصب الالكتروني لمرتين إعتقدت في المرة الاولى ان الخصم لم يقتطع بسبب عطب في التطبيق الا أن بعد تجربتي الثانية كشفت أن التطبيق لا يكمن فيه اي عطب بعد أن وصلتني إشارة من البنك بإقتطاع الأموال التي قدمتها للخدمة دون ان أحصل على غايتي من التطبيق”.

التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة يحمل العديد من الإيجابيات مثل تسهيل الوصول إلى أشخاص جدد، وتوفير بيئة آمنة للأشخاص الخجولين، وإمكانية التعرف على شريك بناءً على اهتمامات وقيم مشتركة.

لكنه سيف ذو حدين، قد تواجه هذا الأسلوب في التعارف بعض السلبيات مثل عدم التأكد من هوية الأشخاص، وتعرض البعض للاحتيال أو خيبة الأمل عند التفاعل بشكل غير واقعي مع الآخرين. كما قد تؤدي إلى تفاعلات سطحية لا تعكس العلاقات الحقيقية ما يؤدي الى إضطرابات نفسية عميقة.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى