ورقة الحظ ورهان الإدمان .. من الخاسر ومن الرابح من القمار الإلكتروني؟ (ملف)

سلمى الحدادي

في زمنٍ لم تعد فيه المسافات حاجزًا ولا الحدود عائقًا، أصبح كل ما يريده الإنسان متاحًا بكبسة زر. من بين الظواهر التي استفحلت بفعل هذا التحول الرقمي الكبير، تبرز ظاهرة القمار، التي خرجت من عتمة الزوايا المنعزلة لتستوطن شاشات الهواتف المحمولة، وتفرض وجودها في تفاصيل الحياة اليومية، لا سيما لدى فئة الشباب. لم يعد القمار حكرًا على الكازينوهات أو صالات اللعب، بل صار جزءًا من تجربة الإنترنت العادية، مغلفًا أحيانًا بطابع الترفيه أو التحدي، لكنه في العمق، فخٌّ نفسيٌّ واقتصاديٌّ واجتماعيٌّ يهدد التوازن الفردي والجماعي على حدّ سواء.

المؤثرون… واجهة القمار الجديدة

المثير للقلق في هذا السياق، هو أن عملية الترويج لهذه التطبيقات لا تتم عبر إعلانات تجارية رسمية فقط، بل تعتمد بشكل كبير على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي. العديد من المؤثرين، ممن يمتلكون قاعدة جماهيرية واسعة، يروّجون لهذه التطبيقات من خلال مقاطع مصورة يدّعون فيها الربح السريع والسهل، متجاهلين تمامًا تبعات هذا النوع من النشاط. وهم بذلك لا يساهمون فقط في تطبيع الفكرة في ذهن المتابع، بل يقدّمون القمار كخيار مقبول وناجع للخروج من الأزمات المالية، وهو طرح خادع وخطير، خصوصًا حين يُوجَّه لجمهور هشّ من الناحية النفسية والمادية.

الجانب النفسي والاجتماعي: الإدمان في عباءة الربح

ولعل أخطر ما في هذه الظاهرة هو تأثيرها العميق على الجوانب النفسية والاجتماعية. فالقمار الرقمي، عكس ما يُعتقد، ليس مجرد تسلية عابرة، بل هو نشاط ذو طابع إدماني، يعتمد على آليات نفسية معقدة تجعل المستخدم يعود مرارًا وتكرارًا، مدفوعًا بوهم الربح القريب. ومع تكرار المحاولات، يبدأ الشعور بالذنب، ثم القلق، فالعزلة، ثم الاكتئاب، وقد يصل الأمر ببعض الأشخاص إلى فقدان السيطرة على قراراتهم المالية، والدخول في دوامة من الديون والعلاقات المتوترة مع الأسرة والمحيط. هذا التأثير لا يمسّ فقط الأفراد، بل يمتد إلى المجتمع برمّته، حيث ترتفع معدلات الجريمة والانحراف نتيجة الضغط النفسي والإفلاس المالي.

أبو بكر حركات: القمار الرقمي وباء صامت يستهدف الأطفال والمراهقين

حذّر الدكتور أبو بكر حركات، الأخصائي في الأمراض النفسية والجنسية، من خطورة المحتويات الرقمية التي باتت تُروَّج بشكل مكثف عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، والتي لا تقتصر على القمار فقط، بل تشمل أيضًا الإدمان على الألعاب المدفوعة، الترويج للمخدرات، وأشكالًا من البغاء المقنّع.

“المراهق الذي يدخل دوامة القمار يصبح مشدودًا إلى وهم الربح السريع، فيعاني من التوتر، القلق، الانفصال عن الواقع، وقد يُهمل دراسته أو ينعزل عن محيطه الاجتماعي،

وفي تصريح خصّ به “إعلام تيفي”، أوضح حركات أن “الأخطر اليوم هو أن هذه المحتويات تستهدف بشكل مباشر الأطفال والمراهقين، الفئة الأكثر هشاشة والأقل قدرة على التمييز بين الترفيه والخطر، مما يجعلهم عرضة للإدمان مبكرًا.”

وأشار إلى أن الطفل الذي يتعرض لمثل هذا النوع من المحتوى قد يُصاب بإدمان يُشبه في خطورته الإدمان على المواد المخدرة، مؤكدًا أن آثاره النفسية والاجتماعية تمتد لسنوات طويلة. وأضاف: “المراهق الذي يدخل دوامة القمار يصبح مشدودًا إلى وهم الربح السريع، فيعاني من التوتر، القلق، الانفصال عن الواقع، وقد يُهمل دراسته أو ينعزل عن محيطه الاجتماعي، بل وربما يلجأ إلى سلوكيات غير قانونية لتمويل هذا الإدمان.”

ولفت الأخصائي النفسي إلى أن الفئة العمرية المستهدفة بهذا النوع من القمار آخذة في التراجع، حيث لم يعد الأمر يقتصر على البالغين، بل وصل إلى مراهقين في سن 14 عامًا أو أقل، يُمارسون القمار عبر هواتفهم دون أي رقابة فعلية.

ودعا حركات إلى ضرورة تدخل ثلاثي الأطراف لحماية الأطفال من هذه الآفة:

1. الأسرة: عبر تعزيز الرقابة الأبوية والاهتمام بالمحتوى الذي يستهلكه الأبناء على الهواتف والأجهزة الرقمية.

2. المدرسة: من خلال إدماج ورشات توعية ضمن البرامج التعليمية، تركّز على مخاطر الإدمان الرقمي والقمار الإلكتروني.

3. الدولة: بتشديد الرقابة الإلكترونية على التطبيقات والمواقع المشبوهة، وتفعيل آليات الحجب، مع تمكين الأجهزة الأمنية السيبرانية من التحرك الناجع لحماية القاصرين.

وختم حركات تصريحه بالقول: “القمار الرقمي أصبح وباءً صامتًا يتسلل إلى الأجيال القادمة دون أن ننتبه لخطورته. حماية أطفالنا مسؤولية جماعية مشتركة بين الأسرة، المدرسة، والدولة، قبل أن يفوت الأوان.”

فؤاد اليعقوبي: القمار الرقمي يُعيد تشكيل الهوية النفسية للأطفال والمراهقين

حذّر الباحث في علم النفس الاجتماعي، فؤاد اليعقوبي، من تنامي ظاهرة الترويج للقمار الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، معتبرا أنها تمثل خطرا متزايدا على التوازن النفسي والاجتماعي للأطفال والمراهقين.

وفي تصريح خصّ به “إعلام تيفي”، أكد اليعقوبي أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على مجرد انحراف سلوكي فردي، بل أصبحت منظومة تأثير اجتماعي منظم، تعيد تشكيل تمثلات الناشئة حول القمار، وتقدّمه في صورة تجربة ترفيهية أو وسيلة سهلة للربح، عوضاً عن كونه سلوكاً محفوفاً بالمخاطر.

القمار الالكتروني لم يعد يقتصر على مجرد انحراف سلوكي فردي، بل أصبح منظومة تأثير اجتماعي منظم، تعيد تشكيل تمثلات الناشئة حول القمار، وتقدّمه في صورة تجربة ترفيهية أو وسيلة سهلة للربح.

وأوضح أن شبكات التواصل الاجتماعي توفر بيئة خصبة لتطبيع هذا النوع من السلوك، من خلال آليات الإقناع النفسي، وخطابات دعائية تستهدف الحاجات النفسية لدى الشباب، مع استغلال الحضور القوي للمؤثرين الذين يُظهرون القمار في قوالب جذابة ومبهرجة.

واستناداً إلى نظرية التأثير الاجتماعي، شدد المتحدث على أن قابلية المراهقين للتأثر بأقرانهم أو بشخصيات مشهورة تجعل من القمار الرقمي سلوكًا مرغوبًا فيه، مدفوعًا بالضغط الاجتماعي غير المباشر، والرغبة في الانتماء إلى جماعة أو تقليد “نماذج النجاح”.

كما أشار اليعقوبي إلى دور التعلم بالملاحظة كما صاغه عالم النفس ألبرت باندورا، مبرزًا أن مشاهدة الآخرين وهم يحققون مكاسب من القمار دون ظهور العواقب السلبية، يُشجع المراهقين على خوض نفس التجربة، خاصة في ظل غياب خطاب تحذيري فعال على المنصات الرقمية.

وأكد أن المرحلة العمرية للمراهقين تجعلهم أكثر عرضة للإدمان السلوكي المرتبط بأنظمة التعزيز المتقطع التي يستخدمها القمار الرقمي، مما يؤدي إلى اضطرابات في التحكم الذاتي، تراجع الأداء الدراسي، والعزلة الاجتماعية.

وفي ختام تصريحه، نبه الباحث إلى أن الترويج المستمر لهذا النوع من السلوك يُضعف المفاهيم التربوية القائمة على الجهد والعمل، ويزرع بدلا منها ثقافة سطحية قائمة على الحظ والربح السريع، داعيا إلى تظافر الجهود التربوية والإعلامية والتشريعية للحد من هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الأجيال الناشئة.

هدى بوكدال: القمار الرقمي سمّ صامت يهدد تماسك الأسر واستقرار المجتمع

عبّرت هدى بوكدال، رئيسة جمعية “اتحاد وقوة للتنمية والتضامن”، عن قلقها الشديد تجاه الانتشار المتزايد لظاهرة القمار الرقمي، وخاصة في أوساط الشباب والمراهقين، مؤكدة أن هذا السلوك أصبح يُروَّج له بشكل خطير عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحتى من خلال بعض الفنانين والمؤثرين الذين لا يترددون في الترويج له مقابل المال.

وفي تصريح خصّت به “إعلام تيفي”، قالت بوكدال: “بصفتي فاعلة في المجتمع المدني، وانطلاقًا من مسؤوليتي الأخلاقية والإنسانية تجاه مجتمعي، أرى أن ما يحدث اليوم هو بمثابة تسللٍ خطيرٍ وهادئ لسمٍّ صامتٍ إلى بيوت المغاربة، يُدمّر الأسر ويقوّض الاستقرار النفسي والاجتماعي لفئة واسعة من شبابنا.”

واعتبرت أن القمار ليس تسلية كما يُقدَّم، بل هو بوابة مباشرة للإدمان والانهيار، ومصدر لمعاناة نفسية واقتصادية، مضيفة: “الأخطر من ذلك هو استهداف المراهقين بإشهارات جذابة توهمهم بالثراء السريع، في حين أن الواقع مليء بالحكايات المؤلمة لشباب سقطوا في فخ الديون والضياع وربما الانحراف.”

ما يحدث اليوم هو بمثابة تسللٍ خطيرٍ وهادئ لسمٍّ صامتٍ إلى بيوت المغاربة، يُدمّر الأسر ويقوّض الاستقرار النفسي والاجتماعي لفئة واسعة من شبابنا.

ودعت بوكدال إلى تدخل عاجل من الجهات المختصة، مشيرة إلى أن الوقت قد حان لوضع حد لهذا النزيف. وفي هذا السياق، وجهت نداءً عبر “إعلام تيفي” يتضمن أربع توصيات أساسية:

1. سنّ تشريعات صارمة تمنع الترويج المباشر أو غير المباشر لمواقع وتطبيقات القمار، سواء عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل.

2. تحميل الفنانين والمؤثرين المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن مشاركتهم في الترويج لأنشطة تضر بالمجتمع مقابل عائدات مادية.

3. إطلاق حملات وطنية شاملة للتوعية بمخاطر القمار، مع التركيز على تقديم بدائل إيجابية للشباب، كالفن، الرياضة، المبادرات الجمعوية والمقاولاتية.

4. تعزيز الرقابة الرقمية على المحتوى الموجّه للقاصرين، وخاصة التطبيقات والمواقع التي تتضمن سلوكات مشبوهة.

وختمت رئيسة الجمعية تصريحها بالتأكيد على أن “القمار ليس حرية شخصية حين يتحول إلى وباء اجتماعي”، مشددة على أن حماية النشء من هذا الخطر لم تعد خيارًا، بل أولوية وطنية ملحّة.

القمار في ضوء الشريعة: عبث محرم وعاقبته وخيمة

في المنظور الإسلامي، يُعتبر القمار من الكبائر التي نهى عنها الله تعالى صراحة في القرآن الكريم، لما له من آثار مدمّرة على الفرد والمجتمع. فقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [سورة المائدة: 90]. والميسر، كما فسّره العلماء، يشمل كل لعبة أو معاملة يكون فيها ربح أحد الطرفين مشروطًا بخسارة الآخر، وهو بالضبط ما ينطبق على القمار الرقمي المنتشر اليوم عبر التطبيقات والمواقع.

هذا النوع من “اللعب” ليس تسلية بريئة كما يُروَّج له، بل هو مدخل إلى الحرام، يتعارض مع القيم الإسلامية التي تحثّ على الكسب بالحلال، بالجهد والاجتهاد، لا بالحظ والمخاطرة. كما أن الإسلام يُجرّم أي سلوك فيه استغلال لحاجة الناس أو تضييع لأموالهم، وهو ما يفعله القمار حين يُغري الفقراء والمراهقين بربح سريع، ثم يُفقرهم ويتركهم في دوامة نفسية واجتماعية مدمّرة.

من هذا المنطلق، فإن مواجهة ظاهرة القمار الرقمي ليست فقط مسؤولية قانونية أو اجتماعية، بل هي كذلك واجب شرعي، يفرض على كل من يملك سلطة أو صوتًا أن ينهض لمواجهته، توعيةً وتحذيرًا ومنعًا.

القمار الرقمي في ميزان الشريعة

وفي هذا السياق، أكد الأستاذ إدريس الخرشفي، أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في تصريح لـ“إعلام تيفي”، أن القمار، بجميع صوره وأشكاله، محرّم شرعاً بشكل قطعي، ويدخل ضمن ما نهى الله عنه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]، مشدداً على أن الميسر – أي القمار – رجس من عمل الشيطان، لا يُقرّه لا دين ولا عقل.

  القمار، بجميع صوره وأشكاله، محرّم شرعاً بشكل قطعي، ويدخل ضمن ما نهى الله عنه.

 

وأوضح الأستاذ الخرشفي أن المال في الشريعة الإسلامية لا يُكتسب إلا ببذل جهد مشروع، سواء كان جهداً فكرياً أو بدنياً، بينما القمار يقوم على التحايل والمخاطرة بأموال الغير دون وجه حق. وأضاف: “كل من يمارس القمار أو يروّج له أو يُغري به – خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي – يتحمل وزر هذا الفعل الشنيع، لما فيه من إفساد وخداع واستغلال لهواة الربح السريع”.

وأكد المتحدث أن حتى القوانين الوضعية الحديثة تُجرّم هذا الفعل وتعاقب عليه، نظراً لما له من تأثير مدمر على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية، مشيراً إلى أن آثاره لا تقتصر على الجانب المالي فقط، بل تطال البنية القيمية والأخلاقية للشباب، وتدفعهم نحو الانحراف والضياع.

واختتم الأستاذ إدريس الخرشفي تصريحه بدعوة صريحة إلى ضرورة التصدي لظاهرة القمار الرقمي، قائلاً: “التصدي لهذا الوباء الأخلاقي يتطلب أولاً التوعية بخطورته، ثم تفعيل العقوبات في حق مروّجيه، والإعلان عنها بوضوح، حتى تكون رادعاً وعبرة. فالدين الإسلامي يحث على الكسب الحلال الشريف، وليس على مقامرة تهدر القيم وتُفسد العقول.”

الخسائر الصامتة: القمار الرقمي يستنزف الاقتصاد الوطني

تشمل ظاهرة القمار الرقمي في المغرب أبعادًا اقتصادية خطيرة، يتجسّد تأثيرها في تسريبات مالية كبيرة إلى الخارج، تآكل للميزانية الأسرية، وتهديد للاستقرار المالي للشباب. ما يلي أبرز الأرقام الرسمية التي تضيء هذا الوضع:

3.3 مليون مغربي شاركوا في نشاط قمار خلال عام 2021، وفق تقرير صادر عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، وھذا یمثل تحدیا واسع الانتشار .

من بين هؤلاء، يُصنّف نحو 40 % منهم كمقامرين عاليي المخاطر، ما يعني وجود فئة كبيرة معرضة لأزمة اقتصادية ونفسية حادة .

حجم الإنفاق السنوي على القمار ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة: فبين عامي 2013 و2016 شهد السوق الداخلي زيادة بنسبة 36 % في حجم الرهانات (من 6.9 مليار درهم إلى 9.4 مليار درهم) .

في 2025، من المتوقع أن يسجل قطاع القمار الرقمي المغربي 48 مليون دولار (حوالي 480 مليون درهم) من الإيرادات، مع معدل نمو سنوي حوالي 1.3 % .

قطاع المراهنات الرياضية الرقمية وحده تابعته شبكة Statista متوقعة ربحًا يصل إلى 47.9 مليون دولار في 2025 .

تُحقق شركات القمار الرسمية في المغرب، مثل “المغربية للألعاب والرياضة” و”اليانصيب الوطني” و”الشركة الملكية لتشجيع الفرس”، رقم معاملات يفوق 940 مليار سنتيم (9.4 مليار درهم) سنويًا.

حجم الإنفاق السنوي على القمار ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة

هذا الإنفاق لا يُترجم إلى استثمار أو تنمية، بل يذهب في معظمه إلى شركات أجنبية تُدير تطبيقات ومواقع مراهنة خارج المغرب، مما يُسبب تسرباً للعملة الصعبة ويُفاقم من عجز الميزان التجاري الرقمي للبلاد.

في ھذا  الصدد وجّه الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين تحذيراً شديد من تنامي ظاهرة القمار الإلكتروني غير المرخص في المغرب، خاصة عبر منصات أجنبية تستهدف فئة واسعة من الشباب المغربي، مبرزاً المخاطر الاقتصادية والمالية والأمنية التي تصاحب هذا النشاط.

وفي سؤال كتابي عاجل إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، كشف الفريق عن وثائق مسرّبة من مكتب الصرف تُظهر قيام أحد الأشخاص بتحويل أزيد من 7 ملايين درهم إلى شركة مرتبطة بإحدى هذه المنصات، ما يُجسّد حجم الأموال التي تغادر البلاد عبر قنوات غير قانونية.

وأشار الفريق إلى أن هذه التحويلات تُنفذ غالباً عبر حسابات بنكية شخصية لوكلاء محلّيين، حيث يعاد إرسالها بالعملة الصعبة إلى الخارج، مما يُشكل استنزافاً للعملة الأجنبية وتهديداً مباشراً للاستقرار المالي والاقتصادي الوطني.

استمرار هذه الأنشطة يعمق من مشكلات الاقتصاد غير المهيكل، ويثير شبهات غسل الأموال، بما يهدد الشفافية والحكامة في المنظومة المالية الوطنية.

وانتقد الفريق ضعف الرقابة وتقاعس بعض المؤسسات البنكية عن رصد أو الإبلاغ عن هذه العمليات المشبوهة، مشدداً على ضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، وخاصة بنك المغرب ومكتب الصرف، لمواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة.

كما نبه الفريق إلى أن استمرار هذه الأنشطة يعمق من مشكلات الاقتصاد غير المهيكل، ويثير شبهات غسل الأموال، بما يهدد الشفافية والحكامة في المنظومة المالية الوطنية.

وطالب الفريق الوزيرة بالكشف عن الإجراءات المتخذة، وحجم الأموال المحولة بشكل غير قانوني، ومدى احترام البنوك للتشريعات الجاري بها العمل، داعياً إلى مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بالأنشطة الرقمية ذات الطابع المالي، حمايةً للاقتصاد الوطني والشباب المغربي.

أسر تتفكك واقتصاد ينهار

اقتصادياً، لا يقتصر الضرر على المال المهدور فقط، بل يتعداه إلى تعميق مديونية الأفراد، خاصة فئة الشباب، ممن يُغريهم الربح السريع فيقترضون أو يتورطون في التزامات مالية لتغطية خسائر متتالية. وقد كشفت بعض جمعيات الحماية من الإدمان المالي أن عدداً من الشباب دخلوا في دوامات ديون خانقة بسبب الإدمان على القمار الرقمي، وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي

غياب إطار قانوني صارم… باب مفتوح للخطر

أما على المستوى القانوني، فتواجه الدول تحديات كبرى في تتبع ومراقبة هذا النوع من التطبيقات، خاصة وأنها غالبًا ما تشتغل عبر منصات أجنبية، وخوادم يصعب التحكم فيها. المغرب، على سبيل المثال، لا يتوفر على إطار قانوني صريح يُنظّم القمار الرقمي بشكل مباشر، مما يترك فراغًا قانونيًا يستغله المستثمرون والمنصات الإلكترونية لتوسيع نشاطهم.

المغرب، على سبيل المثال، لا يتوفر على إطار قانوني صريح يُنظّم القمار الرقمي بشكل مباشر

وبينما بدأت دول مثل أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا بسنّ قوانين صارمة لتنظيم القمار الرقمي، بما في ذلك حظر الإعلانات وتقييد وسائل الدفع، لا تزال دول أخرى مترددة في مواجهة هذا الخطر الزاحف، مما يترك الأفراد، خاصة القُصّر، عرضة للتغرير والاستغلال.

خسائر بلا سقف

ولعل أخطر ما في هذه الظاهرة هو تأثيرها العميق على الجوانب النفسية والاجتماعية. فالقمار الرقمي، عكس ما يُعتقد، ليس مجرد تسلية عابرة، بل هو نشاط ذو طابع إدماني، يعتمد على آليات نفسية معقدة تجعل المستخدم يعود مرارًا وتكرارًا، مدفوعًا بوهم الربح القريب. ومع تكرار المحاولات، يبدأ الشعور بالذنب، ثم القلق، فالعزلة، ثم الاكتئاب، وقد يصل الأمر ببعض الأشخاص إلى فقدان السيطرة على قراراتهم المالية، والدخول في دوامة من الديون والعلاقات المتوترة مع الأسرة والمحيط. هذا التأثير لا يمسّ فقط الأفراد، بل يمتد إلى المجتمع برمّته، حيث ترتفع معدلات الجريمة والانحراف نتيجة الضغط النفسي والإفلاس المالي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى