وعود التشغيل في مهب الريح فشل فرصةو أوراش يكشف هشاشة الأرقام الرسمية

نجوى القاسمي
في خضم النقاش العمومي حول وضعية سوق الشغل بالمغرب، خرج وزير التشغيل والمقاولات الصغرى بتصريحات في قبة البرلمان ضمن الجلسة الشفهية 5 ماي 2025 يعلق فيها على تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول واقع التشغيل في الفصل الأول من سنة 2025. الوزير اعتبر ما ورد في التقرير مجرد “أرقام طفيفة”، قبل أن يستعرض ما وصفه بـ”النجاحات المحققة” من خلال أرقام بدا أنها مرصوفة لتزيين الواقع أكثر من عكسه: 350 ألف منصب جديد في قطاعات الصناعة والتجارة والبناء، 146 ألف فرصة في الشغل المأجور، و174 ألف في إطار التشغيل الذاتي. كما تحدث عن مواصلة دعم برنامج “المقاول الذاتي” كحل لمعضلة البطالة.
لكن، وفي ظل هذه التصريحات المتفائلة، يبقى الواقع على الأرض أكثر تعقيدا وسوداوية. فبرامج التشغيل التي راهنت عليها الحكومة، وعلى رأسها “فرصة” و”أوراش”، أثبتت محدوديتها، بل وفشلها في تقديم حلول عملية ومستدامة.
برنامج “فرصة”: وعود بالتمويل، وواقع من الديون والإفلاس
منذ انطلاقه، روجت الحكومة بالاستعانة بالمؤثرين لبرنامج “فرصة” باعتباره أداة تمكين اقتصادي للمقاولين الذاتيين الشباب، من خلال دعم مالي ومواكبة مستمرة. إلا أن التطبيق كشف وجها آخر تعثر في صرف الدفعات، نقص في التأطير، وشروط مجحفة في السداد. آلاف من الشباب وجدوا أنفسهم غارقين في الديون، دون أن تنجح مشاريعهم أصلا، إما بسبب غياب السوق، أو ضعف الدعم التقني والإداري. بدل أن يكون “فرصة” نقطة انطلاق، أصبح عبئا جديدا على فئة كانت تتطلع للخروج من دائرة التهميش.
أوراش: شغل مؤقت دون أفق
برنامج “أوراش” هو الآخر جاء كإجابة ظرفية، في وقت تصاعدت فيه نسب البطالة. إلا أن فرص الشغل التي وفرها لم تكن سوى حلولًا قصيرة الأمد، لم تتجاوز ثلاثة أشهر في كثير من الحالات، ودون أي ضمانات للترسيم أو الاستمرارية. آلاف من الشباب تم تشغيلهم ثم التخلي عنهم دون أي امتيازات أو حقوق اجتماعية. بهذا الشكل، لم يسهم البرنامج في محاربة البطالة بقدر ما أسهم في إخفاء معالمها لفترة محدودة، لغايات سياسية أكثر منها اجتماعية.
أرقام دون أثر ملموس
الاحتفاء بالأرقام وحده لا يكفي. ما يحتاجه المغرب اليوم ليس خلق مناصب شغل على الورق، بل توفير وظائف ذات دخل كريم، حماية اجتماعية، واستقرار مهني. كل المؤشرات تشير إلى أن نسبة كبيرة من فرص الشغل الجديدة تدخل ضمن ما يعرف بـالاقتصاد غير المهيكل، أي دون عقود أو حقوق، في غياب أي تأمين صحي أو تقاعد، مما يعمق أزمة الهشاشة ويُكرس الفوارق الطبقية.
عقب الجدل الذي أثارته تصريحات وزير التشغيل حول أرقام المناصب المحدثة في الفصل الأول من سنة 2025، توالت الانتقادات من داخل قبة البرلمان، حيث وجه الفريق الاشتراكي انتقادات لاذعة لبرنامج “مليون منصب شغل”، معتبرا إياه حلما بعيد المنال، في ظل مؤشرات البطالة المرتفعة.
وأكد الفريق أن معدل البطالة لا يزال مرتفعا، إذ بلغ 13.3 في المئة على المستوى الوطني، وقرابة 7 في المئة في صفوف الشباب، بينما تتجاوز النسبة 20 في المئة بين حاملي الشهادات، وهي مؤشرات تضعف من مصداقية الأرقام المقدمة من طرف الوزارة الوصية. وتساءل الفريق، بنبرة لا تخلو من استياء، عن مصير الإدماج الاقتصادي الحقيقي في المناطق الحدودية، وعلى رأسها منطقة الفنيدق، حيث يعيش السكان أوضاعا اقتصادية هشة تفاقمت في السنوات الأخيرة.
وأضاف المتدخلون باسم الفريق الاشتراكي أن البرامج الحكومية، وعلى رأسها فرصة وأوراش، تبقى حبرا على ورق، ولا تلامس الواقع المعيشي للشباب، خاصة في المناطق التي تحتاج إلى تدخل تنموي عاجل.
من جهته، انضم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية إلى دائرة الانتقاد، مؤكدا أن برامج الحكومة لا تلامس الأقاليم التي تعاني من التهميش رغم قربها من المدن الكبرى. وأشار إلى حالة إقليم مديونة كنموذج صارخ لذلك، حيث ترتفع معدلات البطالة، دون أن يظهر له أي أثر في المخططات التشغيلية أو في الأرقام التي قدّمتها وزارة التشغيل.
وأكد الفريق الاستقلالي أن الأرقام المعلنة لا تعني شيئا ما لم تترجم إلى أثر ملموس على الأرض، داعيا الحكومة إلى النزول إلى الميدان والقطع مع الخطاب التجريدي والوعود النظرية، والاقتراب أكثر من واقع المواطنين في الأقاليم المهمّشة.
تصريحات الوزير، وإن بدت واثقة، لا تصمد أمام امتحان الواقع. فشل برنامج فرصة في مواكبة المشاريع، وانتهاء أوراش عند أبواب التشغيل المؤقت، يكشفان خللا عميقا في تصور الدولة لسياسة التشغيل. والمطلوب اليوم ليس مجرد برامج ممولة، بل رؤية تنموية قائمة على العدالة المجالية، والإدماج المهني الحقيقي، والاحترام الصارم لكرامة الشباب المغربي.