وهبي بين حماية النزهاء وتحديات المحاسبة..جدل حول حدود المسؤولية والنية

فاطمة الزهراء ايت ناصر  

أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خلال مداخلة قوية في جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب المنعقدة اليوم، أنه لا يحمل في تفكيره أي تعاطف أو تهاون مع الفاسدين، موضحًا أن “هذا أمر يعود إلى القضاء والدولة”. لكنه، في المقابل، كشف عن قلقه المتزايد إزاء ما وصفه بـ”الخنق الممنهج للمسؤولين النزهاء”، والخلط بين الخطأ الإداري واستغلال المال العام.

وأوضح وهبي أنه عقد عدة نقاشات مع مسؤولين في المجال الجنائي، منتقدًا الطريقة التي يتم بها التعامل مع بعض المنتخبين أو المسؤولين المحليين الذين قد يكونون فقط قد ارتكبوا أخطاء في الإجراءات الإدارية، دون أن يتورطوا في تبديد المال العام أو اختلاسه.

وقال: “شاهدتُ ملفًا لرجل خُصصت له ميزانية لإصلاح مراحيض مؤسسة تعليمية، فأصلح بعضها وخصص الباقي لشراء سيارة إسعاف للدوار الذي ينتمي إليه، ومع ذلك، تم استدعاؤه في حالة اعتقال، رغم أنه لم يستفد من تلك الأموال لأغراض شخصية.”

وشدد الوزير على أن منطق اعتبار كل المسؤولين فاسدين هو منطق خطير، قائلاً: “حينما تُتهم الدولة كلها بالفساد، ثم تُثار الإشكالات، يُقال: أنت أيضًا فاسد. هذا تهديد للديمقراطية، ومحاولة لإدخال الجميع في منطقة مغلقة بلا أفق.”

وعن دور النواب والمسؤولين، قال وهبي: “إن لم يكن رئيس الجماعة فاسدًا ولم يختلس، فسأدافع عنه بكل قوة، فهذا هو دوري. أما إن ثبت فساده، فمكانه السجن.”

وأشار الوزير إلى أن القانون الجنائي أصبح يُحمّل المسؤولين حتى نتائج الإهمال البسيط، إذ أن “عدم تحصيل الضرائب، أو صرف الميزانية في مشاريع استعجالية دون احترام الإجراءات، قد يُعد جريمة، رغم حسن النية.”

وفي هذا السياق، أوضح وهبي كيف أن بعض المسؤولين المحليين يُجبرون من قبل السلطات الترابية على التدخل في حالات استعجالية، مثل الفيضانات أو الاحتجاجات، لبناء طرق أو تنفيذ مشاريع، ليُفاجأوا لاحقًا بالمحاسبة القضائية: “الرئيس يخبرهم أن ما قام به كان في إطار جائحة طبيعية، لكن الجواب يكون: هذا لا يعنينا، وتتم متابعته.”

وختم الوزير مداخلته بدعوة قوية لإعادة النظر في هذا النموذج من المحاسبة، معتبراً أن حماية الفئة النزيهة من المنتخبين والمسؤولين واجب وطني: “إذا لم يدخل الفاسد السجن في الدنيا، فسيذهب إلى جهنم في الآخرة. أما النقي، فيجب أن نحميه جميعًا.”

رغم ما تحمله مداخلة الوزير عبد اللطيف وهبي من حس إنساني وتقدير للنية الحسنة لدى بعض المسؤولين، إلا أن طرحه يثير إشكالات جوهرية في منطق المحاسبة والتمييز بين الخطأ الإداري والجريمة المالية. فالدفاع عن المنتخبين “النزهاء” الذين لم تثبت بحقهم تهمة اختلاس أو تبديد المال العام يبدو وجيهاً من زاوية حماية كرامة المسؤول العمومي، غير أن ربط الإهمال أو تجاوز المساطر القانونية بالنية الحسنة قد يفتح الباب لتبرير سلوكيات قد تُستغل من قبل الفاسدين أنفسهم.

ثم إن دعوته لإعادة النظر في طريقة محاسبة المسؤولين تطرح تحديًا حقيقيًا: هل يكفي حسن النية وحده لتبرئة الذمة؟ وهل يجوز تمييع الحدود الفاصلة بين الخطأ الإداري والفساد الفعلي؟ فالمحاسبة يجب أن تُبنى على القانون أولًا، لا على تقدير النوايا، وإلا فقدت المؤسسات الرقابية مصداقيتها، وأُعفي المتورطون بحسن نية ظاهرية من المسؤولية، وهو ما قد يُضعف هيبة الدولة ويقوض الثقة في منظومة العدالة نفسها.

غير أن حديث الوزير وهبي عن ضرورة حماية “النزهاء” من المنتخبين لا يجب أن يُفهم كدعوة لتليين آليات المحاسبة، بقدر ما ينبغي أن يُترجم إلى إصلاح تشريعي واضح يُميز بدقة بين الخطأ الإداري العفوي والجرائم المرتبطة بالفساد واستغلال النفوذ. فالمؤسسات لا تُبنى على النيات وحدها، بل على قواعد قانونية مضبوطة تضمن المساءلة دون ظلم، وتمنع في الوقت نفسه الإفلات من العقاب. إن الدفاع عن النزهاء لا ينبغي أن يتحول إلى خطاب عام قد يُستغل من طرف المتورطين لتبرير تجاوزاتهم، بل إلى عمل دقيق يوازن بين حماية الكفاءات وملاحقة الفساد بصرامة وشفافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى