أرقام مضللة وسياسات قاتلة.. التامني تكسر صمت الحكومة عن إفلاس المقاولات

حسين العياشي

لم يمرّ جواب رئيس الحكومة، الذي سعى من خلاله إلى تفنيد الحديث عن إفلاس آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة، دون أن يثير ردًّا سياسيًا حادًا من النائبة البرلمانية فاطمة التامني، التي رأت في ذلك الخطاب محاولة لتخفيف وقع أزمة حقيقية عبر توصيفها كـ«تهويل سياسي»، في حين أن الوقائع الاقتصادية والمعيشية، وشهادات المهنيين، ومعطيات المحاكم التجارية، تؤكد أن ما يجري ليس حالة عابرة ولا مبالغة خطابية، بل أزمة بنيوية تضرب صميم النسيج الإنتاجي الوطني.

التامني اعتبرت أن إنكار الحكومة لواقع الإفلاس يتكئ على قراءة انتقائية للأرقام، إذ تختبئ خلف معطيات رسمية جزئية لا تعكس الحجم الحقيقي للأزمة. فعدد كبير من المقاولات، بحسبها، توقّف عن النشاط فعليًا دون أن يمر عبر مساطر الإفلاس القانونية، ما يجعله غائبًا عن الإحصائيات الرسمية. إلى جانب ذلك، تعيش آلاف المقاولات وضعية “الموت السريري”، بلا معاملات حقيقية، مثقلة بالديون، ومحرومة من الولوج إلى التمويل، ما يجعل الأرقام المعلنة لا تمثل سوى قمة جبل الجليد، بينما الكتلة الصامتة للأزمة تبقى خارج الرصد الحكومي.

وانطلاقًا من هذا التشخيص، طرحت النائبة سؤال المسؤولية السياسية والاقتصادية: إذا لم تكن هناك إفلاسات كما يدّعي رئيس الحكومة، فكيف يمكن تفسير الإغلاق اليومي للمحلات والورشات في المدن والهوامش؟ وكيف يُفهم العجز شبه التام للمقاولات الصغرى عن الولوج إلى الصفقات العمومية؟ وأين يتجلى أثر برامج الدعم التي أعلنتها الحكومة إذا كانت لم تصل إلى المستفيدين الحقيقيين؟ ثم كيف يمكن تجاهل الضغط المتزايد الذي تخنق به هذه المقاولات، من ضرائب وغرامات، وارتفاع كلفة الطاقة، وتشديد شروط القروض، في سياق اقتصادي هش أصلًا؟

في نظر التامني، لا يمكن فصل إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة عن الخيارات الحكومية نفسها، معتبرة أن ما يحدث ليس قدرًا اقتصاديًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات عمومية منحازة. اختيارات ليبرالية متوحشة، تقول، حابت كبار الفاعلين على حساب النسيج المقاولاتي الصغير، في ظل غياب سياسة واضحة لحماية الإنتاج الوطني، وتحويل الدعم العمومي إلى ريع موجه لفئات محدودة، وربط التمويل بشروط تعجيزية لا تراعي واقع المقاولات الصغرى ولا قدرتها على الصمود.

ومن هذا المنطلق، تؤكد النائبة البرلمانية أن المطلوب اليوم ليس تفنيد الأرقام ولا تزيين الخطاب، بل الاعتراف الصريح بحجم الأزمة. اعتراف يفتح الباب أمام تقديم معطيات شاملة وشفافة، وإطلاق نقاش وطني جدي حول سبل إنقاذ المقاولات الصغرى والمتوسطة، ومراجعة السياسة الجبائية والتمويلية بشكل جذري، بما ينسجم مع واقع الاقتصاد الحقيقي لا مع المؤشرات المعزولة.

وتخلص التامني إلى أن إنكار إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة لا يحمي الاقتصاد، بل يعمّق جراحه. فالمقاولة التي تغلق أبوابها لا تكذب، والورشات التي تُطفئ أنوارها لا تمارس السياسة، أما الذي يضلّل، في نظرها، فهو الخطاب الذي يصرّ على عدم رؤية الواقع، ولو كان واضحًا في شوارع المدن وأسواقها ومحاكمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى