أزمة العطش تتفاقم.. ومطالب برلمانية بإعلان حالة طوارئ مائية

حسين العياشي

عرفت مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التجهيز والماء داخل لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة والتنمية المستدامة بمجلس النواب لحظة توتر لافتة، بعدما تعالت أصوات عدد من النواب مطالبة بإعلان حالة طوارئ مائية محلية، تُصنَّف بموجبها بعض المدن والقرى ضمن مناطق أولوية مائية تستوجب تدخلاً عاجلاً ومقاربات جديدة لتدبير هذا المورد الحيوي. فقد حذّر المتدخلون من أنّ التحديات المناخية لم تعد ظرفية، وأن سنوات الجفاف المتعاقبة والصدمات المناخية المتتالية عمّقت أزمة الندرة إلى حد بات يهدّد الأمن المائي لشرائح واسعة من المواطنين.

وتوقفت المداخلات عند معاناة سكان عدد من الدواوير الذين يواجهون العطش بشكل يومي، حيث تنقطع المياه لساعات طويلة، فيضطر الأهالي إلى قطع مسافات بحثاً عن صهاريج متنقلة أو شراء الماء لتلبية حاجياتهم الأساسية. هذا الواقع المرير، بحسب النواب، يستدعي المرور من الحلول الظرفية إلى رؤية إصلاحية عميقة تضمن استدامة الموارد المائية عبر مزيج من البنيات التحتية الكبرى وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج.

وشدد المتدخلون على ضرورة إعادة ترتيب أولويات توزيع الماء بين القطاعات، ومراجعة الحصص المالية المخصصة للفلاحة والصناعة والسياحة، مع اعتماد مبدأ أولوية الشرب كقاعدة صلبة في التخطيط المالي الجهوي. ودعوا إلى إحداث صندوق جهوي للماء يمول مشاريع مبتكرة ويشرك الجماعات الترابية والجمعيات والقطاع الخاص في التدبير، إضافة إلى التسريع في الإجراءات الإدارية المرتبطة بمشاريع التحلية وإعادة استعمال المياه وتجميعها.

كما دعا عدد من النواب إلى دعم الزراعة المستدامة في المناطق الجبلية عبر إعادة توجيه الدعم نحو الزراعات المقاومة للجفاف، وتوفير معدات الري الذكي للفلاحين الصغار، وإحداث مرصد وطني للعدالة المائية يعنى بتتبع الفوارق المجالية في الولوج إلى الماء بين الجهات والدواوير. وتم التأكيد أيضاً على دور المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الذي يفترض أن تظل تدخلاته منسجمة مع التوجهات الحكومية، بما يضمن تعميم الماء الشروب ليصل إلى جميع المراكز القروية والتجمعات السكنية في احترام تام لمبدأ المساواة بين المواطنين.

وفي موضوع السدود، اعتبر النواب أن المجهود المبذول في بناء السدود الكبرى لا يعفي من النقص المسجل في عدد من الأقاليم التي تفتقر إلى السدود الصغرى والتلية، رغم دورها الأساسي في تخزين الماء لفترات الجفاف. واعتُبرت هذه المنشآت أداة استراتيجية لتعزيز الأمن المائي المحلي، خاصة في المناطق الجبلية والجافة والواحات، داعين إلى تعميمها وتسريع وتيرة إنجازها.

كما طُرحت بقوة إشكالية توحل السدود التي تلتهم سنوياً جزءاً كبيراً من سعتها التخزينية، مما يقلل من قدرتها على لعب دورها كاملاً. ودعا المتدخلون إلى اعتماد حلول استعجالية لإزالة الرواسب وإطلاق برامج استباقية للحد من هذا المشكل عبر حلول طبيعية وتقنية فعالة.

ولم تغب عن النقاش مسألة معالجة المياه العادمة، حيث تمت الإشارة إلى أن المشاريع الكبرى تتركز أساساً في المدن الكبرى، بينما تظل مناطق عديدة محرومة من شبكات التطهير السائل، مما يحرمها من فرص إعادة استعمال المياه المعالجة ويعمّق الفوارق المجالية. وفي السياق نفسه، أثير موضوع الربط بين الأحواض المائية باعتباره مشروعاً بنيوياً، مع طرح تساؤلات حول كيفية ضمان تزويد العالم القروي والمناطق الجبلية بالماء الصالح للشرب بشكل منتظم ومستدام، ولماذا لم تُدرج بعض المناطق الأكثر عطشاً ضمن المرحلة الاستعجالية الأولى، خصوصاً أحواض تانسيفت وسوس التي شهدت هذا الصيف درجات حرارة قياسية وشحاً مائياً حاداً.

بهذه الصورة، بدا واضحاً أن النقاش النيابي تجاوز لغة التحذير إلى المطالبة العاجلة بإعادة صياغة سياسة مائية وطنية جديدة، تُوازن بين ندرة الموارد وتزايد الطلب، وتمنح للمواطن المغربي الحق الكامل في ماء آمن وكافٍ ومستدام، مهما كان موقعه الجغرافي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى