أزمة تعاضدية التبغ.. عمال ومتقاعدون بين وعود منسية وعجز يهدد الصحة والكرامة

حسين العياشي

يعيش منخرطو تعاضدية التبغ حالة استياء عميق بعد أن وجدوا أنفسهم، حسب قولهم، في مواجهة “تنكر” الشركة المغربية للتبغ لالتزاماتها الاجتماعية التاريخية، وتراجعها عن اتفاقيات ووعود أُطلقت منذ عملية خوصصة المؤسسة. وضعية انعكست بشكل مباشر على قدرتهم، خاصة المتقاعدين منهم، على تحمل تكاليف العلاج والحصول على تغطية صحية لائقة.

الجمعية المغربية للأسرة التبغية، أوضحت في تقرير حديث أن إدارة الشركة أدارت ظهرها لبروتوكول اتفاق وُقع في دجنبر 2024، من طرف المديرة السابقة ومجلس التعاضدية، وحظي بمصادقة الجمع العام في سنة 2025. الاتفاق كان بمثابة طوق نجاة لتعاضدية وصلت عجزها المالي إلى أكثر من 5 ملايير سنتيم.

لكن هذا العجز لم يكن وليد اليوم، بل تراكم عبر سنوات، بعدما اعتمدت الشركة، في سياق الخوصصة، خيار المغادرة الطوعية الذي قلّص عدد النشيطين المساهمين من أزيد من 2300 مستخدم سنة 2004، إلى حوالي 500 فقط. ورغم تطمينات الإدارة حينها، واستبشار المنخرطين خيرا بعد صدور مدونة التغطية الصحية سنة 2005، إلا أن تلك الوعود سرعان ما طواها النسيان.

التقرير أشار إلى أن الشركة، فوتت منذ ذلك التاريخ ملايير السنتيمات على خزينة التعاضدية، متجاهلة تعهداتها السابقة، ومنها الاتفاق الموقع مع وزارة المالية في ماي 2004، والذي نص على الحفاظ على مكتسبات العاملين وضمان استمرارية الدعم الاجتماعي.

اليوم، يجد آلاف المستخدمين والمتقاعدين والأرامل أنفسهم أمام واقع صعب: تعويضات المرض لا تُصرف إلا بعد ثمانية أشهر على الأقل، في وقت تتفاقم فيه تكاليف العلاج. في وضع، وصفه المنخرطون بـ”المهين” و”المناقض لمبدأ التضامن”، شكل لعقود ركيزة التعاضدية.

ولم يتردد التقرير في تحميل إدارة الشركة كامل المسؤولية عن “هذا الوضع الكارثي الذي يسيء للمؤسسة”، داعيا وزارة المالية إلى التدخل العاجل لإنقاذ ما يقارب 4 آلاف مستفيد من الانهيار، وإعادة الاعتبار لمبدأ المسؤولية الاجتماعية التي ضمنت يوما كرامة الأسرة التبغية.

غير أن الأرقام لا تكفي وحدها لتجسيد حجم المعاناة. أحد المتقاعدين، الذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في خدمة الشركة، يقول إن “أكبر صدمة بالنسبة له لم تكن نهاية الراتب الشهري، بل عجز التعاضدية عن تغطية تكاليف علاج زوجته المصابة بمرض مزمن”. ويضيف بأسى أن “الفواتير الطبية تتراكم، فيما التعويض لا يأتي إلا بعد شهور طويلة، وأحيانا لا يكفي حتى لتغطية جزء بسيط مما صُرف”.

أما أرملة مستخدم آخر، فتروي بحزن كيف وجدت نفسها مضطرة إلى الاستدانة من الأقارب لسداد ثمن دواء باهظ، بعدما أخبرتها التعاضدية أن ملفها لن يُعالج قبل مرور أشهر. تقول: “شعرنا أننا تُركنا وحدنا نواجه المرض والمصاريف، بعد أن أفنى زوجي حياته في خدمة الشركة”.

هذه الأصوات، ومعها آلاف المنخرطين، تعكس عمق الأزمة الإنسانية والاجتماعية التي تهدد كرامة أسرة التبغ، وتطرح سؤالاً ملحاً حول مدى التزام الشركات الكبرى في المغرب بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه عمالها، بعد أن أفنوا أعمارهم في خدمتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى