أزمة صامتة أم حرب خفية؟ الصرافات الآلية تثير جدلًا واسعًا وسط المسافرين والسياح

بشرى عطوشي
في مشهد بات مألوفًا في مدن مغربية كبرى وصغرى على السواء، يقف المواطن أو السائح أمام صراف آلي، يُدخل بطاقته البنكية، يضغط الأزرار، ينتظر قليلًا… ثم تأتيه الرسالة الصادمة: “العملية مرفوضة، المرجو مراجعة وكالتكم”. لا مال يُسحب، ولا تفسير واضح. فقط إحباط، وقلق، وأحيانًا، انقطاع تام عن النقد في مدن بعيدة عن مقر السكن أو الوطن الأم.
ظاهرة مثيرة للريبة
شهدت الشهور الأخيرة تصاعدًا في شكاوى المواطنين والسياح بخصوص عدم قبول الصرافات الآلية لبطاقات بنكية تابعة لبنوك أخرى، بما فيها تلك الدولية (Visa, Mastercard). ما يزيد الطين بلة هو أن بعض الآلات التي كانت فيما مضى تسمح بسحب الأموال حتى من بطاقات منافسة، أصبحت فجأة ترفض العمليات بدون تفسير تقني مقنع.
فهل نحن أمام خلل تقني عابر؟ أم مقصود؟
وهل تسعى البنوك المغربية فعلاً إلى تقييد السيولة المتبادلة وتحجيم التعاملات البينية في إطار حرب تنافسية صامتة؟
الفرضيات المطروحة
1. نقص السيولة الحقيقي داخل الأبناك؟
منذ أشهر، راجت أخبار عن تزايد حجم القروض البنكية الممنوحة مقابل تراجع الودائع. هذا الخلل في التوازن قد يفسر توجس بعض الأبناك من ضخ السيولة بشكل غير محسوب عبر الصرافات، خاصة للمنافسين أو عبر بطائق دولية لا تعود بالفائدة المباشرة على البنك المعني.
2. إجراءات رقابية خفية من بنك المغرب؟
قد تكون هناك تعليمات غير معلنة من بنك المغرب تهدف إلى تنظيم السيولة، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية أو ارتفاع تكلفة النقد الأجنبي. لكن غياب الشفافية في هذا المجال يفتح الباب أمام التأويلات.
3. تنافس غير شريف بين البنوك؟
يتهم البعض بعض المؤسسات البنكية بمحاولة احتكار زبائنها وقطع الطريق أمام العملاء من بنوك منافسة. وهذا ينافي تمامًا مبادئ المنافسة الحرة التي يفترض أن تحكم القطاع البنكي، ويمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق المستهلك.
4. مشكلة البطاقات الدولية والسيادة النقدية؟
لوحظ كذلك رفض متزايد للبطائق الدولية، وهو ما يطرح تساؤلات حول علاقة الأبناك بالمنظومات البنكية العالمية. هل تسعى المغرب إلى تقليص الاعتماد على الشبكات الأجنبية لحماية عملتها؟ أم أن الرسوم الباهظة التي تتحملها البنوك لقاء هذه العمليات هي السبب الحقيقي؟
السياحة تدفع الثمن
السياحة الداخلية والخارجية تتضرر بشكل مباشر من هذا الوضع. فالسائح المغربي الذي يسافر إلى مدينة أخرى لا يستطيع دائمًا الوصول إلى وكالة بنكه الأصلية، ويُفترض أن يعتمد على شبكة وطنية من الصرافات. لكن الواقع أن هذه الشبكة أصبحت مجزأة ومعطلة جزئيًا.
أما السياح الأجانب، فالوضع أكثر تعقيدًا: معظمهم يأتون ببطاقات ائتمان ظانين أنهم يستطيعون السحب من أي صراف، فيُفاجَؤون برفض المعاملات، ما يُجبرهم على البحث عن صرف العملات نقدًا بأسعار غير مناسبة، أو الوقوع في مواقف حرجة بلا مال، ما يضر بتجربتهم السياحية ويؤثر سلبًا على صورة المغرب كوجهة مضيافة.
من المسؤول؟
غياب التوضيح من الأبناك، أو من بنك المغرب، يزيد من ضبابية الوضع. ولا توجد لحد الساعة بيانات رسمية توضح الأسباب الحقيقية لهذا الخلل أو تحدد إجراءات تصحيحية.
إن المسؤولية هنا جماعية:
البنوك مطالَبة بتوفير خدمات عادلة وشفافة لكل العملاء، بغض النظر عن انتمائهم البنكي.
بنك المغرب عليه أن يوضح للرأي العام ما يجري، ويضبط معايير قبول البطاقات وطنيا ودوليا.
وزارتي المالية والسياحة مدعوتان للتحرك من أجل حماية حقوق المستهلك والسائح على حد سواء.
ما يحدث اليوم في الصرافات الآلية بالمغرب ليس مجرد “خلل تقني”، بل هو مؤشر على أزمة ثقة وممارسات تحتاج إلى مساءلة. وإذا لم يتم التدخل العاجل لضبط هذه الوضعية، فقد نجد أنفسنا أمام قطاع بنكي يتقوقع على نفسه، ويعادي الزبون بدل خدمته، ويضر بالسياحة بدل دعمها.





