
حسين العياشي
في خضم حالة من التوتر والاحتقان المتصاعد داخل مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وصل ملف الأعمال الاجتماعية إلى أروقة البرلمان، حيث تقدّمت النائبة ربيعة بوجة، عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، بسؤال كتابي يستدعي المؤسسة لمحاسبة مباشرة بشأن ما تصفه الشغيلة بـ “الأزمة التدبيرية الخانقة” التي عطّلت الخدمات الاجتماعية التي يعتبرها الموظفون حقوقاً لا تقبل المساومة.
يستعرض السؤال الموجه إلى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، وضع جمعية الأعمال الاجتماعية التي حلت محل قسم الشؤون الاجتماعية، وهي الخطوة التي كان يُفترض أن تسهم في تحسين الخدمات الاجتماعية المقدمة للموظفين. إلا أن الواقع جاء مغايراً تماماً لما كان مأمولاً، حيث توقفت العديد من المنح التي كانت تُمنح سابقاً، مثل منح التمدرس، التقاعد، الحج، وعيد الأضحى، لتتحول الوعود السابقة إلى خيبات متتالية، بينما تصاعدت أصوات الموظفين المطالبة بالشفافية بشأن النظام الأساسي الجديد الذي لم يُنقل إليهم رغم مرور شهور على الإعلان عنه.
ينتقل السؤال إلى مساءلة الشفافية المالية داخل الجمعية، حيث أثيرت تساؤلات حول مصير التقريرين الماليين لسنتي 2024 و2025، فضلاً عن الغموض الذي يحيط بطريقة تدبير الاعتمادات المخصصة للخدمات الاجتماعية. وتدور في القطاع أقاويل كثيرة عن تحويلات مالية ضخمة لم يتم تقديم تقارير مفصلة بشأنها، مما عمق الشعور بعدم وضوح كيفية إدارة الملف المالي والإداري، وزاد من قلق الموظفين الذين يشعرون بأن الأمور تزداد غموضاً يوماً بعد يوم.
أشار السؤال البرلماني أيضاً إلى الإعفاءات التي طالت عدداً من أطر ومديري الموارد البشرية في ظروف غامضة، وهي خطوة أُدرجت ضمن مرحلة من الارتباك الشديد في تدبير ملف الأعمال الاجتماعية. وعلى الرغم من أن بعض الأطراف ترى في هذه القرارات محاولة لتطهير إداري لمواجهة شبكات المصالح التي عطّلت الإصلاح لسنوات، إلا أن ما يبدو مؤكداً هو أن هذه القرارات لم تُسهم في تهدئة الوضع، بل على العكس، زادت من حالة الإحباط والضبابية في صفوف الموظفين، خاصة مع غياب أي تواصل رسمي يبدد الشكوك المحيطة بتلك الإجراءات.
وتشير المعطيات المنتشرة داخل المكتب إلى أن غياب الجموع العامة للجمعية منذ سنوات، فضلاً عن استمرار المكتب المسير الحالي دون أي تجديد شرعي، رسّخ لدى العاملين إحساساً بعدم وجود ضوابط قانونية وتنظيمية تحكم عمل الجمعية، وهو ما زاد من القلق حول مصير تحويلات مالية تجاوزت خمسة مليارات سنتيم، دون أن تترجم إلى خدمات اجتماعية ملموسة أو تقارير مالية توضح كيفية صرفها.
وفي خضم هذا الوضع المعقد، طالب السؤال البرلماني الوزارة بوضع خطة عاجلة لضمان حقوق الموظفين المتأخرة، مع تقديم توضيحات حول كيفية استفادتهم المحتملة من خدمات مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، وهو الموضوع الذي يثير بدوره جدلاً داخل القطاع بسبب عدم حسم مسألة الأحقية في الانخراط أو شروطه.
ما يراه الموظفون في هذه الأزمة لا يقتصر على تدهور الخدمات الاجتماعية، بل يعكس اختلالاً بنيوياً في إدارة المكتب بشكل عام، والذي بات يواجه فقدان ثقة غير مسبوق من العاملين فيه. هذه الأزمة أصبحت مرآة لواقع أعمق، حيث تحول ملف الأعمال الاجتماعية من مجال لدعم الموظفين إلى ساحة معتمة، تتحكم فيها شبكات نفوذ ومصالح متضاربة، تاركة وراءها حالة من الضبابية والإحباط يزداد عمقها مع مرور الوقت.





