طنجة تفقد ملامحها الاجتماعية لصالح المشاريع الربحية

حسين العياشي

في قلب مدينة طنجة، التي لطالما تميزت بجمالها الفريد وطموحاتها الكبيرة، يلوح جرح عميق يهدد نسيجها الاجتماعي والاقتصادي. فالمدينة التي شهدت نموًا حضريًا متسارعًا، تجد نفسها اليوم في مواجهة تحديات جمة على صعيد توفير المرافق العامة التي كانت مخصصة لخدمة ساكنتها. وقد أصبحت العديد من هذه المرافق، التي كانت تشكل ركيزة لتلبية احتياجات المواطنين اليومية، هدفًا للمشاريع الخاصة التي تنزع عنها طابعها العام.

في تصريحاتهم ل”إعلام تيفي”، عبر ممثلو ساكنة حي رياض أهلا عن استياءهم الشديد من مصير العديد من المرافق العمومية التي كانت مخصصة لخدمتهم، والتي تم تحويلها إلى مشاريع خاصة، مما يتناقض تمامًا مع المبادئ الأساسية للعدالة المجالية والتنمية المستدامة. فقد أوضحوا أن بعض هذه المرافق تم تفويتها في ظروف غامضة، ليتم استغلالها لصالح مشاريع لا تعود بالنفع على المواطنين. على سبيل المثال، تم بيع مدرسة عمومية في حي رياض أهلا كانت مخصصة لأبناء المنطقة، كما تحولت دار الشباب إلى مصحة خاصة. هذه الأمثلة ليست سوى جزء من صورة أوسع تُظهر تراجع المساحات العامة لصالح مشاريع تجارية مغلقة، في وقت كان من المفترض أن تكون تلك المرافق جزءًا أساسيًا من حياة المدينة اليومية.

وفي حديثهم عن الوضع في حي رياض أهلا، أشار السكان إلى قضية تفويت المرافق التي كانت جزءًا من التصميم الأصلي للتجزئة، والتي كانت تهدف إلى توفير فضاءات اجتماعية وثقافية ورياضية لصالح الساكنة. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الفضاءات إلى ملكيات خاصة، مما أفقد الحي الكثير من مساحاته الحيوية. «لقد ضاع حقنا في هذه المرافق، وضاعت المصلحة العامة»، يقول أحد السكان، مشيرًا إلى أن هذا التراجع يعكس ضعف الرقابة وتغاضي السلطات عن التفويتات غير الشفافة.

وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة، طالب سكان حي رياض أهلا بتفعيل توجيهات وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، التي شدد فيها على ضرورة استرجاع الأراضي والمرافق العامة التي تم الترامي عليها. وطلبوا فتح تحقيق شامل في عمليات التفويت التي شهدتها طنجة خلال العقدين الأخيرين، بهدف ضمان إعادة هذه الأملاك إلى المواطنين. كما طالبوا بإنشاء قاعدة بيانات وطنية واضحة وشفافة تتيح تتبع وضعية كل مرفق عمومي ضمن وثائق التعمير، مؤكدين على أهمية حماية المال العام وضمان حق المواطنين في الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وفي نظر سكان الحي، فإن ما يحدث في طنجة ليس مجرد خلل في الإدارة أو التخطيط، بل هو مؤشر على اختلالات بنيوية عميقة في العلاقة بين السلطة المحلية والمجال الحضري. فهذه المدينة، التي كانت دومًا رمزًا للانفتاح والإصلاحات الكبرى، أصبحت اليوم مهددة بأن تتحول إلى مجرد مشهد من الإسمنت والمشاريع الربحية التي لا تعود بالفائدة على جمهورها الواسع. ويتساءل أحدهم: «هل ما زالت طنجة مدينة للمواطنين أم أنها أصبحت مجرد فرصة استثمارية لأصحاب النفوذ والمال؟»

ويؤكد سكان حي رياض أهلا أن المرافق العمومية في طنجة، التي كانت من المفترض أن تكون وسيلة لتحقيق العدالة المجالية، أصبحت في بعض الأحيان سلعة تُباع وتُشترى تحت غطاء مشاريع تنموية تشوبها الكثير من الغموض. ويتساءلون عما إذا كانت هذه المشاريع التنموية فعلاً تخدم السكان المحليين أم أنها مجرد وسيلة لتلبية مصالح خاصة على حساب المجتمع.

وفي حديثهم عن نتائج هذه التحولات، أشار السكان إلى أن طنجة اليوم تنمو عمرانيًا ولكنها تنهار اجتماعيًا، حيث تفقد تدريجيًا ملامحها المتوازنة. المدارس تُغلق أو تُفوت، الملاعب تتحول إلى مشاريع تجارية، والمساحات الخضراء تختفي لصالح المزيد من البناء. وحتى المساجد لم تسلم من هذه العمليات، لولا تدخل الجمعيات المدنية التي تبنت المساطر القضائية لوقف هذا النزيف.

ويختتم أحد السكان حديثه قائلاً: «حين تُباع المدرسة، وتُغلق دار الشباب، ويُسَيَّج الملعب، تُباع روح المدينة نفسها، ويتحول الفضاء العام إلى حصة مغلقة، لا يدخلها إلا من يملك القدرة الشرائية». ويطالب المسؤولين في وزارة الداخلية بأن يتحملوا مسؤولياتهم في إيقاف هذا التدهور، وألا تبقى العدالة المجالية مجرد شعار يُرفع في المناسبات الرسمية، بل أن تتحول إلى واقع ملموس على الأرض.

الأمل معقود اليوم على أن تكون طنجة، التي كانت دومًا بوابة الإصلاحات الكبرى، نقطة انطلاق لاسترجاع المرافق العمومية، وأن تتمكن المدينة من استعادة توازنها الاجتماعي، فلا تبقى مجرد مسرح لصفقات العقارات والمشاريع التجارية، بل تصبح مجددًا مدينة تعكس روح المواطنة والعدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى