إثر قرار المجلس الأممي ..المغرب مصمم على مواصلة العمل الهادئ والرصين

بشرى عطوشي

بعد تصويت مجلس الأمن الأخير الذي منح زخماً دولياً واضحاً لمغربية الصحراء، يجد المغرب نفسه أمام لحظة دبلوماسية فارقة تعيد رسم خريطة علاقاته الخارجية. فالموقف الدولي هذه المرة لم يكن عادياً، إذ أقرّ لأول مرة بأن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يشكل أساساً واقعياً للحل النهائي للنزاع، وهو ما اعتبرته الرباط تتويجاً لسنوات من العمل الهادئ والرصين في المحافل الدولية. غير أن هذا الانتصار لا يعني أن الطريق أصبح خالياً من التحديات، فالدول التي لم تدعم المغرب ستدخل من الآن فصاعداً في حسابات دقيقة من جانب الدبلوماسية المغربية.

من المنتظر أن يتجه المغرب نحو ترسيخ تحالفاته مع الدول التي وقفت إلى جانبه، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، عبر توسيع الشراكات الاستثمارية في الأقاليم الجنوبية، واستقطاب مشاريع جديدة في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ والتكنولوجيا. فالدول التي دعمت الموقف المغربي لم تفعل ذلك فقط بدافع سياسي، بل لأنها ترى في استقرار الصحراء بوابة للاستقرار الإقليمي وممراً استراتيجياً للتبادل بين إفريقيا وأوروبا. المغرب من جهته سيعمل على تحويل هذا الدعم إلى التزام اقتصادي طويل الأمد، حتى تصبح المصالح المشتركة هي الضامن الحقيقي لاستمرار المواقف السياسية المؤيدة.

أما الدول التي امتنعت عن التصويت، وعلى رأسها روسيا والصين وباكستان، فلن تواجه نهجاً عدائياً من الرباط، بل مقاربة أكثر هدوءاً وذكاء. المغرب يدرك أن امتناع هذه الدول لا يعني بالضرورة رفضاً صريحاً لسيادته، بل هو في الغالب توازن بين مصالحها مع المغرب والجزائر في آن واحد. لذلك سيلجأ المغرب إلى ما يمكن تسميته “دبلوماسية المصالح”، حيث يسعى إلى استمالتها عبر الفرص الاقتصادية، خصوصاً في مشاريع البنية التحتية الكبرى بالصحراء المغربية وموانئ الأطلسي. وفي المقابل سيعمل على تقوية حضوره داخل الاتحاد الإفريقي ومنتديات التعاون الآسيوية، لإقناع هذه العواصم بأن مصلحتها الحقيقية تكمن في مسار الاستقرار الذي تقوده الرباط.

أما الجزائر، التي لم تشارك في التصويت، فهي المعنية أولاً بهذه التحولات. فالمغرب يرى في الموقف الجزائري استمراراً لمنطق الجمود الذي لم يعد يجد صدى في المجتمع الدولي، وسيحرص على إظهار ذلك في كل مناسبة. لن يسعى المغرب إلى مواجهة مباشرة، لكنه سيُبقي الباب موارباً للحوار بشروط جديدة، يفرضها من موقع القوة لا المساومة. في الوقت ذاته سيواصل تعزيز نفوذه الاقتصادي والأمني في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، في رسالة واضحة مفادها أن النفوذ المغربي في المنطقة بات يتجاوز حدود النزاع مع الجزائر.

في الجوهر، سيتعامل المغرب مع نتيجة التصويت ليس كنهاية معركة، بل كبداية مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الاصطفافات الدولية. الدبلوماسية المغربية ستكافئ من ساندها، وتستدرج من تردد، وتترك من عارضها أمام عزلة سياسية متزايدة. فالقرار الأممي الأخير لم يكن فقط نصاً قانونياً، بل تحولاً في ميزان الشرعية الدولية، والمغرب يبدو مصمماً على استثماره بأقصى طاقته ليحوّل الاعتراف الضمني بسيادته إلى واقع سياسي واقتصادي لا رجعة فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى