إحصاء مكتمل.. ودعم مؤجل: متى تتوقف وزارة الفلاحة عن تربيـة الأعذار بدل القطيع؟

حسين العياشي
أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أن عملية صرف الدعم المباشر لفائدة مربي الماشية لن تنطلق إلا بالموازاة مع إتمام عملية ترقيم القطيع. لكن المفارقة تكمن في أن الوزارة نفسها أعلنت أواخر شهر غشت عن الانتهاء من عملية الإحصاء وتقديم نتائجها بشكل رسمي، مؤكدة ارتفاع عدد رؤوس الماشية إلى أكثر من 32.8 مليون رأس على الصعيد الوطني، موزعة بين 23.1 مليون رأس من الأغنام، و7.4 ملايين من الماعز، وأكثر من مليوني رأس من الأبقار، و106 آلاف رأس من الإبل. أرقام دقيقة وموثقة كشفت عنها الوزارة للرأي العام، وأرفقتها بوعود بتفعيل الدعم المباشر لمربي الماشية في القريب العاجل.
غير أن تصريح الوزير اليوم خلال الندوة التي عقبت اجتماع المجلس الحكومي، يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية الحكومة في تنفيذ هذا البرنامج الذي طال انتظاره. فإذا كانت عملية الإحصاء قد أُنجزت فعلاً ونتائجها معتمدة من طرف الوزارة نفسها، فما الذي يمنع انطلاق صرف الدعم؟ وهل صار استكمال عملية الترقيم، التي يفترض أن تكون موازية للإحصاء، ذريعة جديدة لتأجيل دعم مربي الماشية؟
الحكومة سبق أن خصصت ميزانية ضخمة تفوق 11 مليار درهم لهذا الغرض، في إطار خطة لإعادة تشكيل القطيع الوطني وضمان استدامته. وقد أكدت الوزارة أن الدعم سيوجه بالأساس لاقتناء الأعلاف والحفاظ على الإناث الموجهة للتوالد، فضلاً عن تخفيف مديونية المربين وتنظيم حملات التلقيح والتأطير التقني. بل إنها حددت طريقة صرف الدعم بناء على عدد رؤوس الماشية المحصية والمزودة بالحلقات المرقمة، مما يفترض أن العملية كانت جاهزة ميدانيًا.
اليوم، وبعد مرور قرابة شهرين على إعلان نتائج الإحصاء الوطني، لايزال مربو الماشية يجدون أنفسهم أمام واقع غامض. فبين أرقام رسمية تؤكد جاهزية البيانات، وتصريحات جديدة تربط الدعم بإتمام عملية الترقيم، يبدو أن البرنامج الذي وُصف بأنه الأكبر في تاريخ دعم القطاع الفلاحي يسير بخطى مترددة.
وفي حين تتحدث الوزارة عن آليات “شفافة ومؤمنة” لتوزيع الدعم، ما زال مربو الماشية ينتظرون الأثر الفعلي لهذا الدعم على أرض الواقع، خاصة مع اشتداد تكاليف الأعلاف وغلاء المعيشة، وتزايد الشكوك حول ما إذا كانت الوعود الحكومية ستتحول إلى إجراءات ملموسة أم ستبقى حبيسة التصريحات فقط.
هكذا يتواصل الجدل بين الخطاب الرسمي الذي يطمئن، والواقع الميداني الذي ينتظر. ويبقى السؤال الجوهري مطروحًا: كيف يمكن تفعيل دعم يستند إلى إحصاء وطني أنجز وانتهى فعلاً، إذا كانت الوزارة تعيد ربطه مجددًا بعملية ترقيم لم تنتهِ بعد؟