إصلاح التقاعد ومشروع قانون الإضراب تحث مجهر “محقق الشعب” مع النائبين البرلمانيين التويزي وشهيد

فاطمة الزهراء ايت ناصر: صحافية متدربة
يشهد المغرب حاليًا نقاشًا واسعًا حول مجموعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالإصلاحات الهيكلية التي تتبناها الحكومة. ومن بين أبرز هذه القضايا، إصلاح منظومة التقاعد، وتنظيم قانون الإضراب، وإدارة المديونية، وهي ملفات تحمل تأثيرات عميقة على الفئات الاجتماعية المختلفة وعلى الاقتصاد الوطني.
في ظل هذه التحديات، تبرز تساؤلات حول مدى جاهزية الحكومة لتنزيل هذه الإصلاحات بفعالية، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضمان العدالة الاجتماعية. كما تثير السياسات المعتمدة جدلًا بين المؤيدين الذين يرون فيها خطوة جريئة نحو المستقبل، والمعارضين الذين يحذرون من تأثيرها على الفئات الهشة ويطالبون بإشراك أكبر للمجتمع المدني والنقابات في صياغة القرارات.
إصلاح منظومة التقاعد: تأخر طويل ومعالجة متأخرة
صرّح أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، خلال استضافته في برنامج “محقق الشعب” الذي يقدمه الصحافي “أشرف بلمودن” على قناة “إعلام تيفي“، بأن إصلاح صندوق التقاعد تأخر لعشرين عامًا. وأشار إلى أن هذا الملف كان يجب أن يُعالج خلال حكومة إدريس جطو، لكنه ظل يؤجل من حكومة إلى أخرى. وأضاف التويزي: “حكومتنا الحالية تعمل بجرأة، رغم أن عمرها المتبقي قصير، وتسعى لتحقيق العديد من الإصلاحات في الفترة المقبلة”.
دمج صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي: غياب التنسيق يعمّق الأزمة
في سياق متصل، أوضح عبد الرحيم شهيد، خلال مشاركته في البرنامج ذاته، أن مشروع دمج صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي عُرض على المجلس الوزاري، ثم مجلس الحكومة، لكنه توقف بسبب عدم التوصل إلى اتفاق.
وأكد أن غياب قنوات التواصل مع التعاضديات شكل عقبة كبيرة أمام هذا المشروع، حيث لم يعلم المعنيون بخطة الدمج إلا عبر القنوات الرسمية. وقال شهيد: “نجاح أي مشروع يتطلب إشراك الجهات المعنية قبل الإعلان عنه”.
وأضاف أن سرعة الحكومة الحالية في تمرير القوانين تتطلب المزيد من المشاورات مع الأطراف المتأثرة. وأشار إلى أن العديد من القوانين تأخرت لعقود بسبب الرغبة في تجنب الضغط على الفقراء، مؤكدًا: “الحكومة الحالية لديها الجرأة لمواجهة هذه التحديات، لكنها قد تضيف أعباءً جديدة على الفئات الهشة”.
قانون الإضراب: وسيلة للتنظيم أم تقييد للحقوق؟
تحدث شهيد عن قانون الإضراب باعتباره مثالًا واضحًا على التوترات الحالية، مشيرًا إلى أن “الزعيم الكبير” يختبئ خلف التعديلات المطروحة. وقال: “الوزير يبذل جهودًا كبيرة لجمع الأصوات المؤيدة، لكن عند وصول الأمر إلى مجلس المستشارين، ستظهر التعديلات التي يرغب فيها الزعيم الكبير”.
وأضاف أن الإضراب كان دائمًا وسيلة الفقراء للدفاع عن حقوقهم، لكنه يواجه اليوم محاولة لتنظيمه بطرق قد تُحد من تأثيره. ومع ذلك، أشاد شهيد بمواقف الوزير الذي أظهر مرونة بسحب بعض البنود المثيرة للجدل، مثل الإضراب السياسي، الإضراب التضامني، وإضراب التناوب، فضلًا عن إلغاء العقوبات السالبة للحرية.
من جانبه، صرّح التويزي بأن النقابات سترفض هذه الإصلاحات لأنها تشعر بأنها استُبعدت من عملية التشريع. وأضاف: “التعديلات المقترحة غير مسبوقة، ولم أكن أتوقع سحب الإضراب السياسي والتضامني. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذه التعديلات ستستمر”.
المديونية والاقتراض: استثمار أم عبء إضافي؟
تناول النقاش أيضًا موضوع المديونية واقتراض المغرب 70 مليون دولار من البنك الدولي. اعتبر التويزي أن هذا المبلغ ليس كبيرًا مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني، وأوضح أن الديون، سواء الداخلية أو الخارجية، تُعد جزءًا طبيعيًا من عملية الاستثمار. وقال: “هناك اتفاقيات ودعم من الاتحاد الأوروبي، والمواطنون يدركون أهمية هذا المشروع للبلاد”.
كما أشار إلى أن المغرب يخصص مليارات لتسديد ديون الحكومات السابقة، معتبرًا ذلك خطوة ضرورية للحفاظ على الاستقرار المالي.
في المقابل، شدد شهيد على أن الاقتراض يجب أن يكون مدروسًا، مشيرًا إلى أن برنامج الاستثمار الحالي كان يفترض أن تُحدد له ميزانية واضحة من البداية. وقال:
“الاعتماد على القروض لضمان استمرارية البرنامج يعكس غياب التخطيط المحكم”.
دروس من التجارب السابقة
وأشار شهيد إلى تجربة حكومة التناوب التي اعتمدت نظام الخصخصة وحققت فائضًا في الميزانية عبر إنشاء صندوق الحسن الثاني للاستثمار. وأكد أن وزارة المالية خلال عهد العلوي كانت الوحيدة التي سجلت فائضًا في الميزانية خلال الثلاثين عامًا الماضية
إصلاحات شجاعة وتحديات معقدة
تمثل الإصلاحات التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها خطوة جريئة نحو معالجة ملفات اجتماعية واقتصادية مزمنة. ومع ذلك، يبقى نجاحها مرهونًا بإشراك جميع الأطراف المعنية، واعتماد مقاربات أكثر توازنًا، لضمان تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.