إكراهات البحث العلمي تكشف حاجة المغرب إلى استراتيجية وطنية موحدة للابتكار

إعلام تيفي ـ تقرير
رغم ما تحقق من مكتسبات في السنوات الأخيرة، لا يزال البحث العلمي في المغرب يواجه عددا من الإكراهات البنيوية التي تحول دون تحويل نتائجه إلى ابتكارات فعلية قادرة على دعم التنمية ورفع التنافسية الاقتصادية.
هذا ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه الاستشاري الذي أعده بطلب من مجلس المستشارين، تحت عنوان: “مساهمة البحث العلمي في الابتكار وتطوير وتقوية القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني – استعجالية وضع استراتيجية وطنية منسقة ومندمجة.”
وأوضح المجلس أن هذه الإكراهات تشمل ضعف التمويل، غياب التنسيق بين الفاعلين، بطء الإصلاحات القانونية، ومحدودية التعاون بين الجامعات والمقاولات.
فحسب المعطيات التي تضمنها التقرير، لا يتجاوز الإنفاق الداخلي على البحث العلمي والتطوير 0.75 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو مستوى بعيد عن المتوسطين العالمي (2.68٪) والأوروبي (2.24٪)، كما أن تمويل هذا المجال يعتمد بشكل كبير على الموارد العمومية، في حين تبقى مساهمة القطاع الخاص محدودة في حدود 30 في المائة فقط.
وأشار المجلس إلى أن الإطار القانوني المنظم للبحث والابتكار لا يزال ناقصا، إذ لم تفعل بعد مقتضيات أساسية من القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، مثل تمكين الجامعات من إحداث شركات تابعة لتثمين نتائج البحث العلمي.
أما آليات الشراكة بين الجامعات والمقاولات، فتبقى محدودة في التمويل المشترك وضعيفة من حيث الحوافز الجبائية، وهو ما يجعل نتائج البحث العلمي بعيدة عن التحول إلى منتجات أو خدمات ذات قيمة مضافة.
ولفت التقرير إلى أن التنسيق بين الفاعلين العموميين والأكاديميين والقطاع الخاص لا يزال غير كافٍ، رغم إحداث المجلس الوطني للبحث العلمي سنة 2021، الذي لم يتمكن بعد من أداء دوره الاستراتيجي بسبب غياب رؤية وطنية موحدة ومتكاملة في مجال البحث والابتكار.
وتبقى المبادرات المنجزة في قطاعات مثل الصناعات الصيدلية أو الطاقات المتجددة أو الطائرات المسيرة، مبادرات معزولة وغير كافية لبناء منظومة وطنية فعالة.
وبناء على هذا التشخيص، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى بلورة استراتيجية وطنية مندمجة للبحث العلمي والابتكار، تقوم على رؤية موحدة وشراكة قوية بين الدولة والقطاع الخاص والجامعات، مع رصد تمويل مستدام يرفع الإنفاق إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي في أفق سنة 2030.
كما أوصى بتسريع مراجعة الإطار القانوني للبحث العلمي، وتعزيز استقلالية الجامعات، وإحداث نظام خاص للباحثين المتفرغين يحفزهم على الإنتاج العلمي والابتكار.
ولتعزيز مردودية المنظومة، شدد المجلس على ضرورة تقوية المجلس الوطني للبحث العلمي ليضطلع بدور القيادة والتنسيق، ودعم إنشاء شركات جامعية ومراكز جهوية لنقل التكنولوجيا وتثمين نتائج البحث، وتشجيع بروز مقاولات ناشئة نابعة من الجامعات ومختبرات البحث.
ويرى المجلس أن المغرب يمتلك إمكانات واعدة في مجال البحث العلمي، من حيث الكفاءات وعدد الباحثين وارتفاع حجم الإنتاج العلمي، إلا أن هذه القدرات لا تزال غير مثمّنة على الوجه الأمثل.
فبدون استراتيجية وطنية واضحة وتمويل كافٍ وشراكة فعالة بين مختلف الفاعلين، سيظل الابتكار المغربي رهين المبادرات الفردية، في حين أن الرهان الحقيقي هو جعل البحث العلمي رافعة أساسية لنمو اقتصادي قائم على المعرفة والابتكار.





