اختلالات سوق الأعلاف بالمغرب.. احتكار وهيمنة تهدد الأمن الغذائي

أشار التقرير السنوي لمجلس المنافسة برسم سنة 2024 إلى وضعية سوق الأعلاف المركبة بالمغرب باعتبارها إحدى الحلقات الأساسية في سلاسل الإنتاج الفلاحي والغذائي، حيث تناول الموضوع بطلب من مجلس النواب في ظل شكايات متكررة من الفلاحين ومربي الماشية حول غلاء الأعلاف وتقلب أسعارها.
وكشف التقرير أن هذا السوق عرف نمواً مطرداً خلال السنوات الأخيرة، مدعوماً بالسياسات العمومية التحفيزية مثل مخطط المغرب الأخضر والدعم الموجه خلال فترات الجفاف، غير أن هذه الدينامية لم تُخفِ التحديات الكبرى التي تواجه القطاع، وعلى رأسها ارتفاع درجة التركيز، إذ تهيمن ثماني شركات كبرى فقط على حوالي 75 في المائة من السوق، وهو ما يقلص من فرص المنافسة ويحد من تنوع العرض.
كما أن بروز الاندماج العمودي بين كبار الفاعلين يمنحهم قوة متزايدة للتحكم في السوق من مرحلة استيراد المواد الأولية إلى التصنيع والتوزيع، وهو ما يضع الفاعلين الصغار في موقع ضعف ويضيق على قدرتهم في التنافس.
وبالموازاة مع ذلك، يوضح التقرير أن السوق المغربية تعتمد بشكل مفرط على المواد الأولية المستوردة، خاصة الحبوب والنباتات الزيتية مثل الذرة والشعير، وهو ما يجعلها عرضة بشكل مباشر لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية وظروف التموين والنقل، ويؤدي إلى هشاشة واضحة أمام الأزمات الخارجية، خصوصاً في ظل توالي سنوات الجفاف وتراجع الإنتاج المحلي.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن سلسلة القيمة الوطنية للأعلاف شهدت تراجعاً في إنتاج النباتات الزيتية منذ تسعينيات القرن الماضي، ما أضعف القدرة التنافسية وأفقد المغرب هامشاً مهماً لتقليص التبعية للخارج.
وفي المقابل، سجل التقرير مفارقة مثيرة تتعلق بتميز المغرب في السوق العالمية بإنتاج دقيق السمك وتصديره أساساً نحو أوروبا، وهو نشاط يخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، غير أن سوء استخدام هذه القدرات الإنتاجية وتوجيهها للتصدير يرفع الكلفة الفردية للأعلاف محلياً ويضعف التنافسية الوطنية.
وأشار مجلس المنافسة كذلك إلى أن ضعف تنوع المنتجات وقدم الإطار التنظيمي الذي يعود إلى سنة 1948 يعمّق الأزمة، حيث يحد من وتيرة الابتكار خصوصاً في مجال المضافات، كما أن شروط التعاقد التجارية، مثل آجال الأداء الطويلة والضغط المالي على مربي الماشية، تخلق اختلالات إضافية. ويبرز التقرير أيضاً أن السياسات التسعيرية شبه موحّدة بين الفاعلين، إذ يقومون بتعديل الأسعار بطريقة متشابهة، في ظل مراقبة غير كافية من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية، وهو ما يفتح الباب أمام شبهات الممارسات غير التنافسية.
وإلى جانب ذلك، يعاني قطاع الدواجن بوجه خاص من ضعف في التنظيم وصعوبات في الولوج إلى التمويل وهيمنة القطاع غير المهيكل، خاصة في تسويق الدواجن الحية، مما يزيد من هشاشة المنظومة برمتها.
ولمعالجة هذه الاختلالات البنيوية، قدّم مجلس المنافسة سلسلة من التوصيات، أبرزها الدعوة إلى تعزيز الإنتاج الوطني من الحبوب والنباتات الزيتية عبر دعم موجّه ورفع قدرات التخزين واللوجستيك بالموانئ، واعتماد جدولة مرنة لضبط الواردات بما يخفف من تأثير تقلبات الأسعار الدولية.
كما أوصى بتشجيع نماذج تجميع الفلاحين، خصوصاً في قطاع الدواجن، من أجل تعاضد الموارد وتحسين شروط التمويل، مع تعزيز دور المكتب الوطني للسلامة الصحية في مراقبة الجودة، وتشجيع آليات المراقبة الذاتية، وتطوير مختبرات خاصة معتمدة.
واعتبر التقرير أن من الضروري العمل على تنويع النشاط نحو قطاعات جديدة مثل تربية الأحياء المائية والأرانب وصناعة أغذية الحيوانات الأليفة، بما يتيح استغلالاً أمثل للقدرات الإنتاجية، إضافة إلى تعميم استخدام الأعلاف المركبة في تربية الحيوانات المجترة عبر برامج تحسيسية وتكوينية للمربين بغرض الرفع من المردودية.
وشدد المجلس على ضرورة تحديث نظام التتبع وتحيين المعايير الصحية المعتمدة ومحاربة المسالك غير المهيكلة التي تضر بالمنافسة وبصحة المستهلك على السواء.
ويخلص التقرير إلى أن أزمة الأعلاف ليست ظرفية ولا ترتبط فقط بارتفاع الأسعار الدولية أو بسنوات الجفاف، بل إنها نتاج لاختلالات هيكلية عميقة تتعلق بتركيز السوق وضعف الإنتاج المحلي للمواد الأولية وقصور الإطار القانوني، فضلاً عن غياب منافسة حقيقية تسمح بخفض الأسعار وتحسين الجودة.
ومن ثم، فإن تجاوز هذه الوضعية يتطلب إصلاحاً شاملاً يعيد التوازن إلى سلسلة القيمة ويضمن مصالح المربين والمستهلكين على حد سواء، ويهيئ في الوقت نفسه لقطاع أكثر صلابة وقدرة على مواجهة التقلبات الخارجية.