
حسين العياشي
في تقرير حديث لمجلس المنافسة حول السوق المغربي، جرى تسليط الضوء على هيمنة بعض الشركات الكبرى على عدد من القطاعات الحيوية، خاصة في أسواق الحبوب، الأعلاف والكتاكيت، التي تؤثر بشكل مباشر على تكلفة الانتاج، وهذه الأخيرة هي من تحدّد السعر النهائي الذي يصل إلى المستهلك. من بين هذه الشركات، تبرز شركة “Africa Feed & Food” كمثال بارز على الاحتكار في السوق المغربي، إذ أصبحت واحدة من الشركات الرائدة التي تتحكم في إنتاج الحبوب والصناعات الغذائية المرتبطة بها، وتفرض حضورها بقوة على منافسيها.
تُعد الشركة واحدة من أكبر خمس شركات مسيطرة على السوق المغربي في مجالات الحبوب، الأعلاف، والمنتجات الغذائية ذات الصلة. ويشير التقرير إلى أن هذه الهيمنة تُشكل حاجزاً كبيراً أمام دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ تتحكم في غالبية عمليات الإنتاج والتوزيع، ما يؤدي إلى ضعف التنافسية وارتفاع الأسعار، وتضييق الخيارات أمام المستهلكين.
تتمثل قوة “Africa Feed & Food” في سيطرتها الكاملة على سلسلة قيمة الحبوب، بدءاً من استيراد الحبوب، مروراً بإنتاج الأعلاف، وصولاً إلى الصناعات الغذائية المرتبطة بها مثل الدقيق والمعكرونة. تمتلك الشركة مصانع ضخمة قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي، كما لها حضور إقليمي في بعض البلدان الإفريقية. هذه السيطرة مكّنتها من أن تصبح المزود الأساسي للعديد من المنتجين في قطاع الدواجن والأعلاف، ما يعزز مكانتها على حساب الشركات الأصغر ويمنحها القدرة على فرض الأسعار وفق رؤيتها الخاصة، بعيداً عن أي منافسة حقيقية.

ويترتب عن هذا الاحتكار أثر مباشر على المستهلكين، حسب مصادر لـ”إعلام تيفي” من داخل القطاع، إذ تتحكم الشركة في أسعار المواد الأساسية مثل الأعلاف والدقيق، ما يزيد من أعباء التكلفة، خصوصاً على الفئات ذات الدخل المحدود.
كما يؤدي غياب المنافسة إلى فقدان التنوع في المنتجات، مما يحرم المستهلك من خيارات أفضل أو أكثر ملاءمة. إضافة إلى ذلك، فإن السوق المحمي من المنافسة لا يشجع على الابتكار أو تحسين المنتجات، ما يعوق التقدم في القطاع الفلاحي والغذائي ككل.
لمواجهة هذا الواقع، أشار تقرير مجلس المنافسة إلى ضرورة إصلاح هيكلة السوق وتشجيع دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة، لضمان منافسة حرة وعادلة. كما دعت التوصيات إلى تطبيق سياسات صارمة لمكافحة الاحتكار والتكتلات الاقتصادية، بهدف توفير منتجات بأسعار عادلة وجودة أعلى للمستهلكين، وتحفيز الاستثمار في القطاعات المتأثرة بالهيمنة، مثل صناعة الأعلاف والحبوب، بما يضمن استدامة السوق وتوازنه الاقتصادي.
في الخلاصة، تمثل شركة Africa Feed & Food نموذجاً واضحاً للهيمنة والاحتكار في سوق الحبوب والأعلاف بالمغرب، لكنها في الوقت نفسه تضع الضوء على أهمية الإصلاحات التنافسية والتنظيمية للحد من هذه السيطرة، وتحقيق نمو مستدام وأداء أفضل للقطاع. إذ يبقى التحدي الأكبر هو مواجهة الاحتكار، لضمان أن تتحول الأسواق المغربية إلى فضاء أكثر شفافية وتنافسية، بما يضمن للمستهلك حرية الاختيار وأسعاراً عادلة وجودة أعلى.





