استرجاع وادي الذهب استكمال لملحمة شعبية نضالية قادها ملك ملهم

خديجة بنيس: صحافية متدربة

يحيي المغاربة ذكرى استرجاع وادي الذهب من الاحتلال الاسباني في 14 غشت من كل عام، تحتفي المملكة بهذا الحدث التاريخي الهام اليوم بعد مرور 45 سنة من استعادة جزء من أقاليمها الصحراوية باعتباره رمزًا للسيادة الوطنية، ومحطّة مهمة في تاريخ المغرب المعاصر، ويمثل إحدى الخطوات البارزة في تحقيق السيادة الوطنية.

في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت أجزاء من الصحراء الكبرى، بما في ذلك وادي الذهب، الذي يقع في الجزء الجنوبي من الصحراء المغربية، كان يُعرف أيضاً باسم “الواد الذهبي” أو “الداخلة تحت السيطرة الاستعمارية الإسبانية.

خاطب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني وفود علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ سائر قبائل إقليم وادي الذهب، الذين قدموا من الإقليم لتجديد البيعة لجلالته بعد الإعلان عن استرجاع وادي الذهب قائلا، “إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة، وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة، فمنذ اليوم بيعتنا في أعناقكم ومنذ اليوم من واجباتنا الذود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما إلى إسعادكم، وإننا لنشكر الله سبحانه وتعالى أغلى شكر وأغزر حمد على أن أتم نعمته علينا فألحق الجنوب بالشمال ووصل الرحم وربط الأواصر”.

أعلن الملك من خلال هذا الخطاب عن التزامه بالدفاع عن أمن المواطنين وتحقيق تطلعاتهم، وأكد أنه باسترجاع الإقليم تحققت الوحدة التي اعتبرها رمزًا للعزم على البناء والتقدم الوطني.

وعد جلالته بتحقيق تطلعات المواطنين في الجنوب، وقد تحقق هذا الوعد خلال السنوات ال45، حيث شهدت الأقاليم الصحراوية تطورًا ملحوظًا بفضل جهود الملك الحسن الثاني، واستمر هذا التقدم تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي كان خير خلف لخير سلف، مما جعل المنطقة تنعم بالازدهار والتقدم على غرار باقي أجزاء المملكة؛ بفضل المشاريع الصناعية الضخمة والبنية التحتية المتطورة التي تم تدشينها.

استرجاع إقليم وادي الذهب كان استكمالًا لمسيرة نضالية سلمية أطلقها جلالة الملك الحسن الثاني، والتي لاقت تفاعلًا هائلًا من المواطنين من جميع أنحاء المملكة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء، تسلحوا بإيمان راسخ بأن هذه الأراضي الصحراوية جزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة وهويتها، حاملين معهم القرآن الكريم والعلم الوطني، ومعلنين للعالم بأن لهم الحق الثابت في هذه الأرض.

هذه التعبئة الشعبية، التي اجتمعت حول قائدها، أثبتت قوة إرادة الشعب المغربي وتماسكه في الدفاع عن وحدته الترابية، أرسل المغرب من خلال هذه الخطوة السلمية رسالة قوية من الوحدة والولاء، وأكد على حقه المشروع في استعادة أراضيه، مما جعل عملية الاسترجاع نقطة تحول حاسمة في تاريخ المغرب المعاصر.

احتفاء المغاربة بهذا الحدث التاريخي له روافد متعددة تتشبع بالمعاني؛ فهو تذكير بشجاعة وبسالة الأجداد الذين ضحوا بالغالي والنفيس للتخلص من آثار الاستعمار الإسباني من الأقاليم الصحراوية، كان هذا النضال بقيادة الأحرار الذين لم يتوانوا أبدًا عن السعي لإخراج المستعمر من أراضي المغرب الحر، المغرب، الذي يعيش معتزًا بروافده، يظل وفياً لذكرى هؤلاء الأبطال الذين ساهموا في استعادة الأرض والكرامة، مبرزًا قيمة الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي في تحقيق الأهداف الوطنية.

سار المواطنون المغاربة تحت قيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني بخطوات ثابتة، رسمها الملك برؤية رشيدة، ونهجها المواطنون بلا أدنى تردد. لقد كانت ملحمة شعبية بين ملك فطن وشعب باسل شجاع، جنى ثمارها الأجيال القادمة التي ظلت وفية لهذا الحدث التاريخي.

باسترجاع وادي الذهب، طوى المغرب صفحة مستعمر غاصب وفتح فصلًا جديدًا من الوحدة الوطنية والاستقرار، هذه الخطوة لم تكن مجرد استعادة إقليم، بل كانت تجسيدًا لإرادة الشعب المغربي في استكمال وحدة أراضيه واسترجاع حقوقه التاريخية. اليوم، يتطلع المغرب نحو المستقبل بثقة، مستلهمًا من تاريخه الغني وقيمه الأصيلة، في مسعى لبناء وطن يسوده السلام والازدهار.

 

زر الذهاب إلى الأعلى