الأحزاب والسياسة في مرمى شكوك المواطن

أميمة المغاري: صحافية متدربة

دائما، ما كان يرى المواطن في الأحزاب السياسية أملًا في التغيير، ومتنفسًا للتعبير عن تطلعاته، ولسان حاله داخل المؤسسات، ووسيلة لتنظيم الخلاف وتقديم الحلول.

لكن اليوم، لم يعد المواطن ينظر إلى الأحزاب السياسية كما كان في السابق، بل باتت تُرى، في كثير من الأحيان كجزر معزولة، مشغولة بمصالحها الذاتية، بعيدًا عن هموم المواطنين وآمالهم، حيث   تكررت الوعود وتكررت معها الخيبات، إلى أن أصبح كثيرون لا يرون في السياسة سوى لعبة مغلقة، لا مكان فيها للناس البسطاء.

فقدت الأحزاب بريقها، وتراجعت مكانتها، فالثقة، التي هي أساس العلاقة بين الناخب والسياسي، أصبحت عملة نادرة في الحياة العامة.

فهل أخفقت الأحزاب في أداء دورها؟ أم أن الواقع تغير والمواطن أصبح أكثر وعيًا؟ ولماذا باتت فئات واسعة ترى في السياسة لعبة لا تعنيها؟

بين من يتكلم ومن يتألم.. مسافة اسمها السياسة

تحولت في نظر الكثير من المواطنين الاحزاب السياسية إلى هياكل مشغولة بذاتها، بعيدة عن نبض الشارع وهموم الناس.

المواطن البسيط لم يعد ينتظر خطبًا أو بلاغات، بل يريد من يُنصت إليه، من يترجم معاناته إلى قرارات، ومن ينزل من برج السياسة العالي إلى أرض الواقع.

دائما، نجد في الشارع الناس يتحدثون عن مشاكلهم اليومية: شباب عاطل رغم الشهادات، أسر مثقلة بارتفاع الأسعار، تعليم يتراجع، وخدمات صحية لا تُلبّي الحد الأدنى من الكرامة. هي قضايا ملموسة، يعيشها المواطن لحظة بلحظة، لكنها لا تجد طريقها إلى أجندات الأحزاب السياسية.

و في الضفة الأخرى نجد الأحزاب، في مقابل هذا الواقع الثقيل مشغولة بتوازنات بعيدة عن الواقع: تحالفات يتم نسجها في الكواليس، صراعات على المناصب داخل الهياكل التنظيمية، أو تصريحات للاستهلاك الإعلامي،  و المحصلة  ان هذا الانفصال بين هموم المواطن وأولويات الأحزاب رسّخ فجوة تتسع بين الفاعل السياسي والمواطن، وغياب تام للثقة.

وعود لم تتحقق..

في كل موسم انتخابي، تعود المشاهد نفسها: الشعارات الرنانة والوعود البراقة ، ملصقات تغزو الشوارع، خطابات تتحدث عن التغيير، لكن سرعان ما تتبخر هذه الالتزامات فور الوصول إلى السلطة أو حتى بعد حصد عدد من المقاعد.

هذا الفارق بين القول والفعل رسّخ قناعة لدى فئات واسعة من المواطنين أن الأحزاب لا تملك الإرادة أو القدرة على التغيير الحقيقي.

وفي خضم هذا التراجع الواضح في الثقة بالأحزاب السياسية، تبين شهادات المواطنين نبض الشارع، ففي ميكروتروار أجراه موقع إعلام تيفي تحت عنوان: غتصوت ولا لا؟.. مواطنون يكشفون عن اختياراتهم ودوافعهم، عبّر عدد من المواطنين عن مواقفهم المتباينة من المشاركة السياسية.

يقول ادريس ان الأحزاب السياسية اليوم لا ينتظر منهم شيئا لان جميع الوعود هي ليست وعود ولا تتحقق والدليل ان الوعود الحالية كلها تصب في خدمة الشباب وللعمل ولتقليص وانهاء البطولة، فلم يكن من ذلك شيئا.

كما أكدت حسناء أنها فقدت ثقتها في الجميع، مشيرة إلى أنه لا يوجد من يمكن الاعتماد عليه في الساحة السياسية.

 

 

 

حين يصبح الامتناع عن التصويت خيارًا محفوفًا بالعواقب

يعتبر التصويت اهم الاليات المتاحة للمواطن للتأثير في مسار القرار السياسي، فهو ليس مجرد إجراء موسمي، بل فعل سياسي يُجسّد حضور المواطن في المعادلة الديمقراطية، فالامتناع عن التصويت، وترك صناديق الاقتراع فارغة لا يعني تغييرًا، بل تسليمًا ضمنيًا ويفتح الباب، أمام وصول من لا يمثل تطلعات الناس، بل أكثر من ذلك، قد يطرح أزمة الثقة بدل أن يغيّر الواقع.

الامر الذي يفسر – تراجع نسب المشاركة في الانتخابات، وارتفاع منسوب العزوف السياسي، خاصة في صفوف الشباب.

وفي السياق ذاته، عبر الشاب “منصف “من الذين استُطلعت آراؤهم في الميكروتروار نفسه عن حالة من الإحباط الواضح، قائلاً ببساطة تعكس شعور عدد كبير من المواطنين صوت ولا ما صوت، ما غادي يتبدل والو.”

في هذا الإطار اكد محمد وبدة باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري تراجع نسب المشاركة في الانتخابات  السياسية مؤشر مقلق، لأنه يعكس عزوفًا متزايدًا، ويمنح في المقابل الفرصة لوصول أشخاص قد لا يمتلكون الكفاءة أو الحس بالمسؤولية في المجال السياسي.

وهذا، بطبيعة الحال، يُنتج تداعيات سلبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويعمّق حالة النفور من الشأن العام، خاصة في أوساط الشباب الذين باتوا ينظرون إلى السياسة بعين متشائمة، وبقدر كبير من الاشمئزاز

وأضاف المتحدث ذاته أن التكوين السياسي الجاد يُعدّ حجر الأساس لأي نظام سياسي صحي، مشيرا الى اننا بحاجة إلى قانون انتخابي فعال، وإلى إصلاح حقيقي في آليات اشتغال الأحزاب، سواء على مستوى التكوين الداخلي، أو في طريقة اختيار المرشحين وتأطير المنخرطين، حتى نتمكن من إفراز نخب سياسية ذات جودة، قادرة على خدمة المصلحة العامة، بدل تكرار نفس الأخطاء التي عمّقت أزمة الثقة في المشهد السياسي.”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى