2022 عام سيسجل في التاريخ و2023 طموحات وآمال في انتظار تحقيقها

تقرير: بشرى عطوشي

إذا كان عام 2022 هو العام الذي أوشك فيه العالم على الاقتراب من الحرب العالمية الثالثة، إثر الحرب الروسية الأوكرانية ، فقد عاش المغرب بسبب هذا بين الشك والريبة وصعوبات تدبير الأزمة التي حملتها معها هذه الحرب، إلا أن الأمل عاد للظهور خلال الأسابيع الأخيرة من هذا العام الذي لا يمكن نسيانه.

لنلق نظرة على أبرز الأحداث في هذا العام الاستثنائي…

نهاية العام فرحة يصنعها أسود الأطلس وتمنح آمالا كبيرة في عام 2023

أن نبدأ  أحداث العام 2022 بحدث بارز وكبير وسار، بصم الأسابيع الأخيرة من السنة، لخير دليل على أنه حدث تاريخي لا ينسى..

فقد أرخى الإنجاز الكبير لأسود الأطلس في بطولة كأس العالم بقطر، بظلاله على هذه السنة خصوصا أن هذا الإنجاز جاء في نهاية سنة 2022، وظل الحدث الكبير والبارز الذي طبع هذه السنة، حيث وحد العرب والأفارقة وجعل الفرحة تدخل القلوب في مختلف بلدان العالم.

وكانت الملحمة التي قدمها المنتخب المغربي بقيادة وليد الركراكي، سببا في جعل الجميع ينسى ثقل هذه السنة التي حملت أوزارها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي غيرت ملامح الاقتصاد العالمي إثر ارتفاع أسعار الغاز والبترول، وبالتالي غلاء المعيشة في مختلف بقاع العالم الذي لم يتعافى بعد من تداعيات تفشي فيروس كورونا.

أسود الأطلس الذين غازلوا العالم بإنجازهم التاريخي، حققوا بالفعل حلما لطالما انتظره العالم العربي والإفريقي، بتوحيد العرب والمسلمين في كل البلدان.

ولن تمحي السنين مهما تعاقبت هذا النصر الذي جعل المغاربة، يخرجون للاحتفال في المغرب وفي كل أقطار العالم، حيث تعبر كل الصور على مدى الفخر الذي اعترى المغاربة وأولهم جلالة الملك محمد السادس الذي خرج للاحتفال إلى جانب المغاربة في شوارع العاصمة الرباط.

كما كان الاستقبال الذي نظمه ملك المغرب والمغاربة للأسود بعد عودتهم من قطر، من أبرز صور التلاحم وحب الوطن والملك، لتبقى صور هذا الاستقبال شاهدة على التاريخ، من خلال خروج المغاربة بالآلاف قادمين من مختلف مدن المغرب، للقاء الأسود في مدينتي سلا حيث حطت طائرتهم، وبالعاصمة الرباط حيث استقبلهم جلالة الملك وأمهاتهم بالقصر الملكي وتوشيح صدورهم بالأوسمة والاحتفال، توج بصورة تاريخية جمعت الملك محمد السادس وولي عهده مولاي الحسن وصاحب السمو الملكي مولاي رشيد، وأعضاء المنتخب الوطني وأمهاتهم.

وستبقى سنة 2022 مذيلة بتوقيع  “أسود الأطلس” الذين احتلوا المركز الرابع في مونديال قطر، محققين أبرز إنجاز عربي وأفريقي في تاريخ هذه المسابقة الأغلى على الصعيد العالمي.

لن ننسى الطفل ريان

شهد هذا العام أيضا بعض الأحداث المأساوية في المغرب. في فبراير ، حيث غادرنا الملاك الصغير ريان، الذي فقد حياته في قاع بئر بمنطقة شفشاون، واستمرت عملية الإنقاذ خمسة أيام، احتبست فيها أنفاس العالم بأكمله، أملا في إخراج الصبي حيا، وأشاد العالم بالتعبئة التي عرفتها عملية الإنقاذ التي تابعتها كل وسائل الإعلام الدولية، والتي لم تمكن من إنقاذ ريان الطفل الذي سيبقى في ذاكرة المغاربة الذين تابعوا لحظات الإنقاذ داعين الله أن يحمي ريان.. وإثر هذا الحادث المفجع الذي أودى بحياة الطفل ريان اورام، أجرى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اتصالا هاتفيا مع والدي الفقيد خالد اورام، و وسيمة خرشيش.

دوامة التضخم 

أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال ترؤسه الاجتماع الأخير لمجلس الحكومة لعام 2022 ، الخميس 29 دجنبر 2022، أن هذه السنة عرفت العديد من الإنجازات، قائلا “عام من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية ، على الرغم من الوضع المقيّد الذي اتسمت به الأزمة الصحية والتوترات الجيوسياسية وقلة نزول الأمطار”. وركز رئيس الحكومة بشكل خاص على تنفيذ مشروع تعميم التأمين الصحي الإجباري (AMO)، وعلى الاتفاقية التاريخية المبرمة مع الشركاء الاجتماعيين، إلا أنه بالمقابل أغفل الحديث عن مواضيع خلقت توترا اجتماعيا كبيرا دفعت بالعديد من المواطنين للخروج احتجاجا.

فقد كانت أسعار المواد الغذائية ومنتجات الطاقة في أعلى مستوياتها منذ شهور ، وبصرف النظر عن الجهود التي تبذلها الحكومة من حيث التعويض عن غاز البوتان والطحين والسكر ، فإن القدرة الشرائية للأسر مسها لهيب ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة والبحث عن حلول كفيلة في هذا الشأن،  اللهم تدخل واحد يتيم لحكومة أخنوش وهو ذلك المتعلق بالإجراء الاستثنائي الوحيد الذي قررته الحكومة: “الدعم المقدم لمهنيي النقل” الذين تم إطلاق الحملة الثامنة لدعمهم قبل أيام قليلة.

فمنذ الأزمة الصحية واندلاع الحرب في أوكرانيا ، شهدنا تداخلًا بين أزمتين ، الطلب الناجم عن الحصار الذي أعقبته صدمة العرض ، المحرك الرئيسي للتضخم. “مثل جميع الحكومات في العالم ، تواجه حكومة أخنوش معضلة بين تأمين المرونة الاقتصادية لحماية القوة الشرائية و تفاقم الدين العام وعجز الميزانية، في وقت تتعلق دائما آمال المغاربة بخفض الأسعار من خلال خفض الضريبة على القيمة المضافة للمواد الاستهلاكية وخفض أسعار الغازوال المحرك الرئيس لعجلة الاقتصاد.

وفي ظل هذه الصدمات وهذه الأزمات، تبقى فئات كبرى مكونة للمجتمع المغربي، تعيش تحت وطأة غلاء المعيشة، وانتظار إنصافها بخفض الأسعار ودعم الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي اندحرت إلى الأسفل.

وفي الآن الذي تتحدث فيه الحكومة عن دعم مباشر للفئات الهشة والمعوزة، يبقى هذا الحل ترقيعيا ولن يمنح للمواطنين والطبقة الفقيرة كرامة العيش دون الاعتماد على ما تجود به أيدي الحكومة عليهم.

 

الاقتصاد الوطني يعيش انكماشا مهما

سيبقى عام 2022 عامًا مرتبكا بالنسبة للاقتصاد الوطني، فمعدل النمو الاقتصادي لم يتجاوز خلال سنة 2022، ال 0.8 في المائة، وهو معدل منخفض للغاية مقارنة بالتوقعات الأولية 3.2 في المائة، بالمقابل كانت هذه السنة عاما لانتعاش قطاعات معينة مثل السياحة ، التي سجلت نتائج استثنائية.

فتداخل الأزمتين (جائحة كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا) بالإضافة إلى الجفاف الذي أثر على النشاط في القطاع الأولي قد تسبب أيضًا في الإضرار بالطبقة العاملة والطبقة الوسطى، وباعتراف المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، فالأزمة تسببت في خسارة المغرب لعامين ونصف العام من النمو.

ولحسن الحظ ، شهدت بعض مؤشرات التجارة الخارجية تطوراً إيجابياً، وفقًا لمكتب الصرف، فقد كان أداء صناعة السيارات جيدًا، وبلغت المبيعات في قطاع السيارات 100.37 مليار درهم بنهاية نوفمبر 2022 بزيادة 35 في المائة  عن العام السابق.

كما قفزت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة 14.6 في المائة، لتصل إلى 99.5 مليار درهم للأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2022.

وشهد قطاع السياحة، وهو مصدر رئيسي للعملة الأجنبية ، بعد عامين من الانكماش، انتعاشًا غير مسبوق على الرغم من الفتح المتأخر للحدود في أبريل الماضي.

لم يلحق هذا القطاع بالركب فحسب ، بل تجاوز تمامًا مستوى ما قبل الجائحة، وتضاعفت إيرادات الأسفار تحت تأثير الانتعاش ، حيث ارتفعت من 32.28 مليار درهم نهاية نوفمبر 2021 إلى 81.72 مليار درهم نهاية نوفمبر الماضي، وتظهر هذه الإيرادات زيادة بنسبة 153.2 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من عام 2021 وتتجاوز المستوى الذي تم التوصل إليه في نهاية نوفمبر 2019 (72.86 مليار درهم).

كما شهد عام 2022 زيادتين في سعر الفائدة الرئيسي، من قبل بنك المغرب، وتعطي هذه السياسة التقييدية الأولوية لدعم استقرار الأسعار.

 

نجاحات ديبلوماسية 

وحقق المغرب نجاحات كبيرة في عام 2022 فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، بحيث فتحت 40 في المائة من الدول الأفريقية وخمس تجمعات إقليمية وعددا من  البلدان في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي قنصليات في العيون والداخلة.

كما حصلت المملكة على دعم العديد من القوى الغربية لمخطط الحكم الذاتي.

نجحت الدبلوماسية المغربية في البداية في دعم إسبانيا لخطة الحكم الذاتي، في وقت لم يحدث قط منذ اندلاع نزاع الصحراء المغربية أن اتخذ هذا البلد موقفًا لصالح المملكة.

وأصبحت إسبانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا تدرك الآن أهمية خطة الحكم الذاتي المغربية في تسوية هذا النزاع الإقليمي.

المغرب وإفريقيا شراكة متعددة الأوجه 

في الأول من  أبريل من 2022، دخل المغرب فترة ولايته الثانية في الاتحاد الأفريقي، وعملت المملكة خلال فترة الولاية الثانية التي مدتها ثلاث سنوات على إضفاء دينامية جديدة على عمل المجلس، في ضوء التجربة والجهود التي بذلها المغرب على مدى عدة سنوات في توطيد السلم والأمن في إفريقيا.

وفي أكتوبر الماضي، ترأس المغرب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. تميزت رئاسته هذه بتنظيم عدة اجتماعات ذات أهمية كبيرة للقارة الأفريقية، على غرار الاجتماعين الوزاريين الذين خصص أولهما لموضوع “التنمية والقضاء على التطرف كرافعة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف” و الثاني لموضوع “تغير المناخ والسلام والأمن: تعزيز المرونة والتكيف من أجل الأمن الغذائي  في الدول الجزرية الأفريقية.

استضاف المغرب خلال رئاسته مؤتمرا سياسيا ، في طنجة في الفترة من 25 إلى 27 أكتوبر 2022 ، حول “تعزيز ترابط السلام والأمن والتنمية ، منظور التكامل الإقليمي”.

بالاعتماد على التعاون فيما بين بلدان جنوب جنوب، وبعد سبع سنوات من الإعلان عن مشروع الغاز نيجيريا-المغرب، استطاع البلدان المعنيان بالمشروع كسب العديد من النقاط الإيجابية لفائدته، لاسيما إقناع العديد من البلدان بواقعيته، وفائدته الاقتصادية، واستعدادها للمساهمة في تمويل هذا المشروع، وتم توقيع عشرات مذكرات التفاهم مع المؤسسات الإقليمية والمالية والحكومية في العديد من البلدان ، مما يثبت مرة أخرى الاهتمام الذي أثاره هذا المشروع الضخم في كل من إفريقيا وأوروبا.

 

الجهاز الأمني نجاحات مبهرة داخل وخارج المغرب

وفي  ظل كل التحولات التي سبق ذكرها يبقى الجهاز الأمني اللاعب الرئيسي والهام، والذي ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في ضمان توازن مجتمعي، داخل وخارج المغرب.

فخلال السنة المنصرمة، شرعت المديرية العامة للأمن الوطني خلال السنة الجارية في تنفيذ البرنامج المرحلي من الاستراتيجية الأمنية برسم الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026، والتي راهنت فيها على تقوية بنيات مكافحة الجريمة، وتطوير مختبرات الشرطة العلمية والتقنية، وتعزيز الركون الممنهج لآليات الاستعلام الجنائي والدعم التقني في مختلف الأبحاث الجنائية، وترسيخ البعد الحقوقي في الوظيفة الشرطية بما فيها إجراءات الحراسة والمراقبة في أماكن الإيداع، فضلا عن تعزيز التنسيق والتعاون مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في مختلف القضايا بالغة التعقيد.

وحسب تقرير للمديرية العامة للأمن الوطني فقد تميزت سنة 2022 باستئناف عمليات التعاون الأمني الدولي بشكل كامل، بعد رفع التدابير الاحترازية التي كانت قد فرضتها الجائحة الصحية، وهو الأمر الذي مكن من الرجوع إلى المستوى المتقدم للتعاون في المجال العملياتي وفي ميادين المساعدة التقنية.

كما شهدت السنة الجارية المشاركة الفعلية لمصالح الأمن الوطني في تنفيذ خمس عمليات أمنية متعددة الأطراف بتنسيق مع الأمانة العامة لمنظمة أنتربول.

وتميزت سنة 2022 أيضا بإبرام العديد من الاتفاقات والشراكات الأمنية مع المؤسسات الشرطية في الدول الأجنبية، تمثلت في تمتين الشراكة الأمنية الاستراتيجية مع وكالات تطبيق القانون في الولايات المتحدة الأمريكية.

كما واصلت المديرية العامة للأمن الوطني، خلال سنة 2022، مسار تطوير البنية التحتية للخدمات ذات الطبيعة الإدارية المقدمة للمواطنين والمقيمين الأجانب على التراب الوطني، وفي مقدمتها الوثائق التعريفية وسندات الإقامة والشواهد الإدارية.

وقد تميزت سنة 2022 بمواصلة مسار الرفع التدريجي والكامل للإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء كوفيد-19، وبالتالي استرجاع المستويات المتقدمة في إصدار وتعميم الجيل الجديد من البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية.

ولا يجب أن ننسى كيف نجح الجهاز الأمني المغربي في تسخير إمكانياته لتأمين مرور بطولة كأس العالم لسنة 2022 بدولة قطر الشقيقة، حيث عملت المديرية العامة للأمن الوطني على توفير تجربة ميدانية ونظرية لأطر أمنية من دولة قطر الشقيقة، شملت استضافة وفود أمنية وممثلين عن هيئة تنظيم المونديال، بغرض اطلاعهم على آليات التعامل مع الأحداث الكبرى والترتيبات الأمنية والمواكبة الشرطية لتدفقات الجماهير في العديد من الاستحقاقات الرياضية القارية التي نظمتها المملكة المغربية، كما شمل برنامج التعاون الثنائي تكوين أطر أمنية قطرية حول المخاطر السيبرانية المرتبطة بالأحداث الرياضية الكبرى، فضلا عن إيفاد فريق أمني للمشاركة في أشغال مركز قيادة العمليات المشرف على تأمين كأس العالم.

 

متمنيات بمناسبة حلول سنة 2023

لا تنتهي أبدا بحلول السنة الجديدة 2023، المتمنيات بتحقيق الأجمل والأعظم، وتجاوز أخطاء الماضي، والقضاء على الهشاشة والفقر، ودعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

الحلم بتحقيق المزيد لا يكتمل إلا بتصحيح مسارات كانت متدبدبة، وعقد العزم على محاربة الفساد في وقت تواصل فيه سواعد طموحة بناء وطن حر وقوي..

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى