الأسر تستعين بمدخرات ”دواير الزمان” لمواجهة موجة الغلاء المستمرة

خديجة بنيس : صحافية متدربة
الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، إلى جانب توالي المناسبات مثل الأعياد والعطلات الصيفية وبدء الموسم الدراسي، يشكل ضغطًا كبيرًا على الأسر المغربية. ووفقًا لبلاغ من المندوبية السامية للتخطيط، فإن 90% من الأسر المغربية تجد صعوبة كبيرة في التوفير أو الادخار نتيجة لهذه الظروف الاقتصادية الصعبة، هذا الوضع يعكس التحديات التي تواجهها العديد من الأسر في تلبية احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع تكاليف المعيشة.
الادخار مؤشرا للانتماء الطبقي
تفاعلا مع الموضوع أوضح سعد الدين إكمان أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس أن القدرة على الادخار تعد معيارًا أساسيًا للانتماء الطبقي في المغرب. مشيرا إلى أن الأسر الفقيرة تكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية، مما يجعل الادخار شبه مستحيل بالنسبة لها. في المقابل، الطبقة الوسطى، التي كانت تمثل جزءًا كبيرًا من المجتمع حسب احصائيات المندوبية السامية للتخطيط، تجد نفسها الآن في مواجهة تحديات كبيرة، خاصة مع تآكل قدرتها على الادخار، وهو ما يُعد ناقوس خطر يشير إلى دخولها في دائرة الهشاشة الاجتماعية والتفقر الاقتصادي.
ثقافة الادخار التقليدي في مواجهة التحديات الحديثة
وأضاف المتحدث في تصريح لموقع “إعلام تيف “، أنه رغم التحسن الملحوظ في نسبة الفقر متعدد الأبعاد بين عامي 2012 و2019، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة، خاصة بعد جائحة كورونا ووصول معدل التضخم إلى 6.8٪ في عام 2024، تجعل الأسر المغربية تواجه ضغوطًا كبيرة. هذا التضخم، الذي يعزى أساسًا إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة والاحتكار الداخلي، أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للأسر، مما أثر بشكل مباشر على قدرتها على الادخار.
في ظل التحديات الاقتصادية الحديثة، تراجعت ثقافة الادخار التقليدي التي كانت تعتمد على تخزين المال لمواجهة الأوقات الصعبة. ارتفاع تكاليف المعيشة، إلى جانب الضرورات اليومية المتزايدة، جعل من الصعب على الأسر الحفاظ على ممارسات الادخار السابقة. لمواجهة هذه التحديات، أصبح من الضروري تطوير استراتيجيات جديدة تعتمد على تخطيط مالي أكثر فعالية، واستثمار مدروس، والبحث عن طرق مبتكرة لتقليل النفقات دون التضحية بجودة الحياة.
في هذا الصدد أبرز إكمان أن المغاربة لطالما اعتمدو على الادخار التقليدي من خلال تخزين المواد الغذائية والممتلكات الثمينة مثل الذهب والفضة. ومع ذلك، زادت نسبة المصرفية (taux de bancarisation) في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تحول جزء من هذا الادخار نحو البنوك والتي في الآونة الأخيرة تخفض من عدد وكالاتها وتتجه أكثر فأكثر نحو الرقمنة، رغم أن الثقة في الرقمي لا زالت لم تتأسس وان ثقافة الاستثمار في الأسهم والسندات لا تزال غير متجذرة بشكل كافٍ.
استراتيجيات التكيف: تقليص النفقات وتعديل الأولويات
ولمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، تلجأ الأسر المغربية إلى تقليص نفقاتها وتعديل أولوياتها. تشمل هذه الاستراتيجيات التركيز على الضروريات، التخلي عن الكماليات، والبحث عن بدائل أكثر اقتصادية للسلع والخدمات. أبرز المتحدث بعض هذه الاستراتيجيات فيما يلي:
تغيير العادات الغذائية: تقليل استهلاك المواد الغذائية المكلفة والتركيز على البدائل الاقتصادية.
البحث عن سكن أقل تكلفة: الانتقال إلى شقة ذات تكلفة إيجار أقل، تقع أقرب إلى مكان العمل والمدرسة، مما يساهم في تقليص تكاليف السكن والمواصلات.
تغيير المدرسة: البحث عن مدرسة خاصة أقل تكلفة أو تحويل الأبناء إلى التعليم العمومي المجاني لتخفيف العبء المالي.
تقليص مصاريف التنقل: تحسين التخطيط اليومي للتنقلات أو استخدام وسائل نقل أرخص لتقليل التكاليف.
التعامل مع المصاريف غير القابلة للتخفيض: في حال تعذر التخلص من بعض المصاريف الضرورية، قد تلجأ الأسر إلى الاقتراض. وفي هذه الحالة، يأتي القرض البنكي المكلف مادياً كآخر خيار، بعد محاولة الحصول على دعم من العائلة أو الأصدقاء. كما يمكن اللجوء إلى أشكال الادخار والاقتراض الجماعية مثل “دارت”، التي توفر بديلاً أقل تكلفة وأكثر تضامناً.
هذه الاستراتيجيات تعكس مرونة الأسر المغربية في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولكنها أيضًا تشير إلى الضغوط الكبيرة التي قد تواجهها الأسر في الحفاظ على مستوى معيشي مستقر.
كما أن هذه المرونة تأتي على حساب جودة الحياة. تقليص النفقات والتخلي عن الكماليات قد يؤدي إلى ضغوط نفسية واجتماعية، مما يجعل من الضروري التفكير في حلول مستدامة تدعم الأسر دون المساس بمستوى معيشتها.