الإصلاح الضريبي بين تحصيل الموارد وتحفيز الاستثمار (دراسة)

حسين العياشي

يشكّل مشروع قانون المالية لسنة 2026 محطة جديدة في مسار الإصلاح الضريبي بالمغرب، وهو مسار طويل يسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة بين الملزمين وتبسيط النظام الجبائي في إطار رؤية شمولية لإرساء دولة فعالة ومنصفة. غير أن الورقة التحليلية الصادرة عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة تكشف أن هذا الورش، رغم زخمه التشريعي والمالي، ما يزال يواجه تحديات في عمق بنيته التنفيذية والواقعية.

فالإصلاح الضريبي في المشروع الجديد لا يقتصر على تعديل نسب أو استحداث رسوم، بل يتوخى إعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمواطن والمقاولة. ويبرز في هذا الإطار الاتجاه نحو توحيد معدلات الضريبة على الشركات تدريجيًا في أفق سنة 2028، وتبسيط الضريبة على القيمة المضافة عبر توحيدها في معدلين فقط (10% و20%) مع الإبقاء على إعفاءات محدودة للمواد الأساسية. هذه الخطوات تعبّر عن إرادة واضحة لإقرار نظام ضريبي عادل ومحفز، يُخفف العبء عن الطبقات المتوسطة والصغرى، ويعزز مناخ الاستثمار ويكافح التهرب والغش الضريبي.

لكن الدراسة تنبّه في المقابل إلى أن العدالة الجبائية لا تتحقق بالقوانين وحدها، بل تحتاج إلى إدارة ضريبية حديثة وشفافة قادرة على تطبيق النصوص بفعالية. فالإصلاحات الطموحة، إذا لم تُواكب برقمنة الإجراءات وتبسيط المساطر وتوسيع الوعاء الجبائي ليشمل القطاع غير المهيكل، ستظل رهينة الأوراق دون أثر ملموس على الإيرادات أو على ثقة المواطنين. كما تشير الورقة إلى أن تعدد الإعفاءات وتكرار المقتضيات الاستثنائية ما زال يحدّ من كفاءة النظام الجبائي ويخلق تفاوتًا في العدالة الضريبية بين القطاعات.

وتبرز الدراسة أن الحفاظ على التوازن بين تحصيل الموارد وتحفيز الاقتصاد يمثل معادلة دقيقة، إذ إن المبالغة في التحصيل قد تُضعف الاستثمار، في حين أن التساهل المفرط قد يفاقم العجز المالي. لذلك، يدعو المركز إلى اعتماد إصلاح تدريجي مرن يربط بين الأداء الضريبي والمردودية الاقتصادية، ويجعل الجباية أداة للتنمية لا مجرد وسيلة للتمويل.

ويخلص التحليل إلى أن المغرب يخطو بثبات نحو نظام جبائي أكثر عدالة وفعالية، لكن نجاح هذا المسار يظل رهينًا بقدرة الإدارة على ترسيخ الثقة، وبإرادة سياسية مستمرة لتبسيط المنظومة وتوسيع قاعدة المساهمة. فالإصلاح الضريبي الحقيقي ليس في النصوص، بل في التطبيق، ولا يُقاس بعدد القوانين، بل بمدى شعور المواطن والمقاولة بأن الضريبة أداة إنصاف لا عبء جَباية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى