الانتماء للوطن لا يسقط بالتقادم..أوقفوا التافهين!

بشرى عطوشي

في زمن أصبح فيه الانتماء للوطن يُقاس بالأرقام الزرقاء على الجوازات الأجنبية، خرج أحد المغاربة الحاصلين على الجنسية الإيطالية بفيديو باللغة الإيطالية، ينفث من خلاله سمومه تجاه بلده الأم، مستهدفًا في مشاهد مركبة ومتعمدة واقع الأسواق الأسبوعية المغربية بالعالم القروي، واصفًا إياها بعبارات مستفزة تتراوح بين “العار” و”القذارة”، ضاربًا بعرض الحائط أبسط معاني الوفاء والكرامة التي تنبع من الاعتراف بالجميل للأرض التي أنبتته.

ما قام به هذا الشخص لا يدخل في خانة النقد البناء، بل يندرج ضمن حملة تشويه متعمدة لصورة المغرب في أعين الأجانب، وخاصة الإيطاليين الذين يجهلون تفاصيل الحياة اليومية بالمغرب ولا يملكون ما يكفي من الخلفيات الثقافية لفهم نبل الثقافة القروية المغربية وعراقة أسواقها، التي كانت دائمًا فضاءً للاقتصاد الشعبي والمبادلات الاجتماعية الممتدة عبر الأجيال.

لقد تجاهل هذا المواطن “السابق” أن العالم القروي هو الذي صنع رجالاً ونساءً تميزوا في ميادين الطب والهندسة والبحث العلمي والرياضة والفن عبر القارات، دون أن يتنكروا يوماً لأصولهم.

تصرف يستدعي وقفة حقيقية من طرف جمعيات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، خاصة بإيطاليا، للتصدي لمثل هذه الممارسات التي لا تسيء فقط لصورة البلاد، بل تغذي في نفس الوقت خطابات الكراهية والتحقير التي قد يستثمرها بعض المتطرفين في إيطاليا للتقليل من شأن المهاجرين المغاربة ومكانتهم في المجتمع. ويتعين على هذه الجمعيات أن تدرس إمكانية التقدم بشكايات قانونية بتهم التشهير والإساءة للوطن ومكوناته الثقافية والاجتماعية.

ومن جهة أخرى، من الضروري أن تتحرك التمثيليات الدبلوماسية المغربية بإيطاليا من خلال قنصلياتها وسفارتها، لاستدعاء المعني بالأمر من أجل الاستماع لتوضيحاته حول الفيديو المتداول، خاصة أنه من المحتمل أنه استعمل جواز سفره المغربي خلال زيارته، ما يفرض عليه واجبات أخلاقية لا تسقط بتغير الجنسية. كما يجب إصدار بلاغ توضيحي للرأي العام الإيطالي والمغربي، يشرح طبيعة الأسواق الأسبوعية ومكانتها الاجتماعية والتاريخية، ويضع الأمور في نصابها الحقيقي لقطع الطريق أمام أي لبس أو استغلال سيء للمحتوى المنتشر.

إن الانتماء للوطن لا يسقط بالتقادم، ولا تسقطه الجنسيات الممنوحة أو الإقامة الطويلة بالخارج، بل يتجسد في الاحترام الواجب لتاريخ الوطن ومجتمعه وثقافته. وما حصل اليوم من طرف هذا الشخص ليس فقط خيانة رمزية للهوية، بل تهديد حقيقي لصورة المغرب في زمن الصورة والتفاعل السريع، ما يحتم علينا جميعًا، دولة ومجتمعًا مدنيًا وجالية بالخارج، أن نقف موقفًا حازمًا لمواجهة هذا النوع من الإسفاف والانحطاط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى