الباعة المتجولون .. اقتصاد الظل الذي ينتظر الهيكلة (روبورتاج)

خديجة بنيس: صحافية متدربة

الاقتصاد غير المهيكل في المغرب يمثل جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي، هذا القطاع يساهم في خلق فرص عمل لكثير من المغاربة من مختلف الفئات حيث يشمل  60-80% من الساكنة النشيطة، لكنه يعاني من نقص في الأمان الاجتماعي والاقتصادي للعاملين فيه، يساهم بحوالي 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يشكل تحديًا للحكومة في تحصيل الضرائب وتنظيم الاقتصاد بشكل فعّال. ويضيع على الخزينة المغربية 90 مليار درهم سنويًا.

وفي هذا السياق أبرز أحمد الحليمي العلمي، المندوب السامي للتخطيط، في تصريح سابق ، أنه يجب التعامل مع القطاع غير المهيكل بشكل جيد لتقنينه، ولا يجب اعتباره ورما  لأنه قطاع ينتج الكثير من فرص الشغل، ما بين 38 أو 40 في المائة.

العوامل المعززة للاقتصاد غير المهيكل

في المقابل، يبرز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الاقتصاد غير المهيكل يشكل تهديداً حقيقياً لاقتصاد البلاد، من قبيل التهريب والأنشطة الاقتصادية المستترة التي تمارسها شركات مهيكلة (التصريح الناقص برقم المعاملات وعدد الأجراء، إلخ) بالإضافة إلى الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم والتي تتملص عمدًا من التزاماتها الاجتماعية والضريبية رغم توفرها على الموارد اللازمة لذلك.

وجاء في تقرير للمجلس حول مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب  أن استمرار مشكلة الاقتصاد غير المهيكل في المغرب يعود إلى عدة عوامل رئيسية. أولاً، يساهم نقص التنمية القروية وضعف خلق فرص العمل، بالإضافة إلى الاعتماد على موارد بشرية ضعيفة التأهيل، في تعزيز استمرار هذا القطاع. بالإضافة إلى أن الاقتصاد غير المنظم يعكس أوجه الخصاص في تلبية متطلبات “الدولة الاجتماعية”، حيث لا يتوفر  الدعم الكافي للفئات الاجتماعية الضعيفة. ثالثاً، توجد عوائق تؤثر على الولوج إلى الاقتصاد المنظم، منها العوامل التي تجعل الاقتصاد غير المنظم أكثر جاذبية، مثل المرونة وقلة المتطلبات، والعوامل التي تعوق الدخول إلى الاقتصاد الرسمي، مثل التعقيدات الإدارية والالتزامات المالية المرتفعة. هذه العوامل مجتمعة تسهم في بقاء الاقتصاد غير المنظم كجزء أساسي من الاقتصاد المغربي.

هذه العوامل التي أوردها تقرير المجلس هي نفسها الأسباب التي صرح بها الباعة المتجولون في الشارع في التصاريح التي استقيناها، حيث أن العديد من المشتغلين في هذا القطاع يعملون فيه بحثًا عن مصدر رزق لإعالة أسرهم. يأتي ذلك في ظل غياب فرص الشغل المناسبة وضعف التكوين الذي يؤهلهم لشغل مناصب في القطاع المهيكل. إن غياب هذه الفرص والتكوين يتسبب في استمرار الاعتماد على الاقتصاد غير المهيكل، مما يعكس التحديات الهيكلية التي يواجهها هؤلاء الأفراد في محاولة تحسين ظروفهم المعيشية والاندماج في الاقتصاد الرسمي.

تحديات بارزة

أفاد محمد جذري الخبير الاقتصادي أن القطاع غير المهيكل يشكل تحديا كبيرا للاقتصاد الوطني، حيث يؤدي إلى فقدان موارد مالية هامة لخزينة الدولة. من جهة أخرى، يفتقر العاملون في هذا القطاع إلى الحماية الاجتماعية والاقتصادية اللازمة، مما يقوض التنافسية مع الفاعلين الرسميين، فلا يمكن مقارنة مقاولة ملتزمة بالضرائب وتحملاتها الاقتصادية مع مقاولة أخرى تعمل في القطاع غير المهيكل.

وأبرزالمتحدث في تصريح لموقع “إعلام تيفي”  أن الحد من القطاع غير المهيكل يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين تبسيط الإجراءات الإدارية، وتعديل القوانين لتسهيل إدماج العاملين والمقاولين في الاقتصاد الرسمي، وتوفير الدعم المالي والتقني للأفراد والمقاولات الصغيرة.

وفي هذا السياق، دعا الخبير الحكومة إلى اتخاذ خطوات جريئة للحد من القطاع غير المهيكل، أبرزها، سن ضرائب محفزة ومخفضة، كما حدث مع نظام المقاول الذاتي الذي ساهم في جذب عدد من الأفراد إلى القطاع الرسمي، ومعالجة بعض الحواجز التي تعيق دخول الأفراد إلى القطاع المهيكل، مثل البيروقراطية المتعلقة بالحصول على التراخيص والبيانات.

وأشار الخبير أيضًا إلى أن نظام عقود العمل الحالي يمكن أن يكون عائقًا أمام التحفيز على توظيف الأفراد في القطاع المهيكل، حيث أن بعض المشغلين يواجهون صعوبات في تسوية وضعية العاملين نظرًا لقيود مدونة الشغل، مما يتطلب مراجعة وتعديل القوانين لتسهيل عملية إدماجهم في القطاع المهيكل.

وأكد المتحدث على ضرورة إزالة متطلبات الترخيص المسبق لتسهيل التحاق المقاولين الصغار بالقطاع المهيكل. وهذا يشمل تسهيل الوصول إلى التمويلات البنكية وتقديم الدعم والمواكبة للمقاولين الصغار، مما يمكنهم من أداء الضرائب وتحمل المسؤوليات الاجتماعية، وفي المقابل، تحقيق أرباح معقولة.

توصيات للحد من انتشار  الاقتصاد غير المهيكل

أفاد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه في ظل غياب البدائل الناجعة، نشأ نوع من التغاضي عن أنشطة الاقتصاد غير المنظم، مما يؤدي إلى استمرار هشاشة السلم الاجتماعي ويعيق فعالية سيادة القانون.

في هذا السياق دعى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تسريع وضع تدابير لتجنب تحول القطاع غير المنظم إلى عامل لعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني.

وأوصى المجلس بوضع استراتيجية مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم إلى 20% من مناصب الشغل، مع التركيز على الأنشطة المعيشية والوحدات الإنتاجية ذات القدرات المحدودة، وتطبيق صرامة أكبر ضد الأنشطة غير المشروعة.

تشمل توصيات المجلس، إزالة الحواجز القانونية والإدارية، تنظيم الحرف والمهن، وإحداث مناطق أنشطة اقتصادية، بالإضافة إلى تيسير التمويل عن طريق توسيع أهداف صندوق محمد السادس للاستثمار وتقديم عروض تمويلية تفضيلية، وكذا تقديم استشارات ومساعدة للمقاولين الراغبين في الانتقال إلى القطاع المنظم.

كما أوصى المجلس بشجيع المقاولين الذاتيين والمقاولات الصغيرة على تقديم ترشيحات مشتركة للصفقات العمومية، وشدد على تعزيز المراقبة تحسين الرقابة وضمان فعالية العقوبات ضد المخالفات، مع التركيز على تجارة الجملة غير المنظمة والممارسات المستترة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى