البردعي: تدهور تصنيف المغرب في الحوكمة و”إدراك الفساد” ينذر بالخطر

حسين العياشي

خلال جلسة الأسئلة الشفوية في البرلمان، طرحت النائبة البرلمانية سلوى البردعي، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، تساؤلات هامة حول مؤشرات الحوكمة والفساد في المغرب. جاء تساؤلها موجهًا إلى الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح، حيث أثارت مخاوف بشأن تراجع تصنيف البلاد في عدة مجالات.

في هذا السياق، أشارت البردعي إلى أن مؤشر الحوكمة، يظهر تراجعًا لافتًا، حيث يتوقع أن يحتل المغرب المرتبة 75 في تصنيف عام 2025. هذا التراجع يعكس، كما تقول البردعي، قصورًا واضحًا في أداء الحكومة الحالية، بما يهدد تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويؤثر سلبًا على سمعة المغرب على الساحة الدولية.

أما فيما يخص مؤشر إدراك الفساد، فقد كان السؤال الأكثر إلحاحًا. ففيما كان المغرب يحتل المرتبة 73 في التصنيف العالمي للفساد في الحكومة السابقة، فإن الوضع قد تدهور بشكل غير مسبوق في العهد الحالي ليحتل المغرب المرتبة 99. هذا التراجع المثير للقلق يعكس تزايد مستويات الفساد في قطاعات عدة، مما يعزز الصورة السلبية عن أداء الحكومات المتعاقبة في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. ومن الواضح أن الفساد لم يعد مجرد حالات فردية أو نادرة، بل أصبح ممارسة منهجية تُمارس بأمان وبصورة شبه روتينية، الأمر الذي يعزز من الإحساس العام بعدم العدالة واللامبالاة في المؤسسات الحكومية.

كما تحدثت البردعي عن الأثر الكبير للفساد على الاقتصاد الوطني، إذ أشارت إلى أن الفساد يكلف المغرب ما يقدر بحوالي 50 مليار درهم سنويًا. هذا الرقم المهول يشكل ضياعًا لفرص استثمارية وتنموية كان من الممكن أن تُساهم في تحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. لكن الأضرار التي يخلفها الفساد لا تقتصر على الأبعاد الاقتصادية فقط، بل تتعداها لتطال الثقة العامة في المؤسسات. فالمواطن المغربي بات يشعر بخيبة أمل تجاه قدرة الحكومة على محاربة الفساد، وأصبحت الثقة بين المواطن والدولة في أدنى مستوياتها.

وفي خضم هذه الأرقام والحقائق المؤلمة، طرحت النائبة البرلمانية تساؤلات حيوية حول السياسات الحالية لمكافحة الفساد. استهجنت البردعي سحب قانون “الإثراء غير المشروع” الذي كان يُعد من الإجراءات الأساسية في محاربة الفساد، معتبرة أن هذه الخطوة تؤشر إلى تراجع الحكومة عن التزاماتها في هذا المجال. كما تساءلت عن تقييد دور الجمعيات المدنية التي كانت تعد أحد أهم شركاء المجتمع في التصدي للفساد، خاصة في مجال التبليغ عنه ومكافحته على مختلف الأصعدة.

إن هذه التساؤلات تفتح الباب أمام مناقشات أوسع حول الإجراءات الضرورية التي ينبغي اتخاذها لمواجهة الفساد بشكل فعال. فالعزوف عن اتخاذ خطوات حقيقية لمكافحة هذه الآفة قد يؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة في مؤسسات الدولة، بل قد يقوض أيضًا إمكانية تحقيق أي تقدم حقيقي على مستوى التنمية السياسية والاقتصادية.

أصبحت قضية الفساد في المغرب قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية خطيرة تتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، بالإضافة إلى تعاون حقيقي بين الحكومة والمجتمع المدني. فالفساد في البلاد لم يعد مجرد مشكلة عرضية، بل بات يشكل تحديًا استراتيجيًا يؤثر على الاستقرار الداخلي ويهدد بانتكاسات كبيرة في مسيرة الإصلاحات المنتظرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى