التامني تفضح مناورة دعم الشباب المستقلين.. وعود تُمنح في الاحتجاجات وتُسحب في البرلمان

حسين العياشي

في خضم الجدل الذي رافق النقاش حول الدعم المخصص للشباب الراغب في الترشح عن طريق اللوائح المستقلة، أكّدت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن الحكومة والأحزاب الداعمة لها “باعت الوهم للشباب” أكثر مما قدمت حلولًا حقيقية لمشكلاتهم. مؤكدة أن المقترحات التي رُوّج لها لم تكن سوى محاولة لاحتواء موجة الاحتجاجات التي قادها الشباب في الأشهر الماضية، لا لمعالجة أسبابه.

ووفي تصريحها لـ”إعلام تيفي”، اعتبرت التامني أن السياق الذي طُرح فيه مشروع دعم الشباب كان دافعًا سياسيًا أكثر منه إصلاحًا مؤسساتيًا. فبعد خروج الآلاف من شباب “الجيل زد” إلى الشارع، ورفعهم مطالب تعكس إحباطًا متزايدًا من البطالة وتدهور أوضاعهم الاجتماعية، تحركت السلطة السياسية بسرعة لطرح مبادرات اعتُبرت أقرب إلى التهدئة منها إلى الاستجابة. هؤلاء الشباب كشفوا، عبر احتجاجاتهم، حجم الفجوة بينهم وبين نخب سياسية “لم ترقَ إلى مستوى الانتظارات”، ولم تستطع إقناعهم بأنها قادرة على حمل همومهم أو تحسين واقعهم.

وفي السياق نفسه، تضيف النائبة أن المقترح الذي كان يفترض أن يفتح الباب أمام مشاركة أوسع للشباب في المؤسسات المنتخبة، افتقد منذ البداية لضمانات قانونية وإجراءات ملموسة تمنحه المصداقية. فالدعم المقترح، الذي قُدم في البداية بوصفه حافزًا لمشاركة الشباب المستقلين في الانتخابات المقبلة، تم التراجع عنه لاحقًا داخل لجنة الداخلية بمجلس النواب، حيث أزيلت الصيغة التي كانت تُقدَّم كمدخل لتحسين حضور الشباب في الساحة السياسية. هذا، بالنسبة للتامني، يؤكد أن “بيع الوهم” كان الهدف الأساسي، وأن الخطوة لم تكن سوى محاولة امتصاص غضب الشارع في لحظة سياسية متوترة.

إن ما وقع، حسب تصريح التامني، ليس سوى تجلٍّ جديد لمنطق “الاحتواء بدل الاستيعاب”. فبدل تقديم إجابات عميقة ومنسجمة مع التحولات الاجتماعية والوعي المتنامي لدى الشباب، تكتفي السلطة بمعالجة شكلية للأزمات، ريثما “تمر العجاجة”، قبل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. معتبرة أن تشجيع الشباب على المشاركة لا يتم عبر منح مالية مؤقتة أو حلول تقنية، بل عبر رؤية حقيقية تُدخلهم في صلب القرار، وتعيد بناء الثقة المتآكلة بينهم وبين الفاعلين السياسيين.

وفي ما يخص التعديل الذي جاءت به الحكومة والمتعلق بشروط الترشيح المستقل للشباب، أكدت التامني أن اشتراط حصول المرشح على ما يعادل 5% من المسجلين في الدائرة يجعل ولوج الانتخابات شبه مستحيل. فهذه العتبة، وفق تقديرها، “ستغلق الباب نهائيًا” أمام مشاركة الشباب غير المنتمين للأحزاب، وستجعل الدعم المعلن مجرد كلام لا أثر له على أرض الواقع.

لتخلص في نهاية حديثها إلى أن المغرب لا يحتاج إلى تدابير ظرفية أو مقترحات تقنية تُطرح في اللحظات الحرجة، بل إلى إصلاح سياسي عميق يعيد الاعتبار للعمل الحزبي، ويخلق شروطًا حقيقية تُشجع الشباب على الانخراط، لا عبر وعود تُسحب في آخر لحظة، بل عبر مسار مؤسسي يحترم ذكاءهم ووعيهم وحقهم في الفعل السياسي.

وتبقى فاطمة التامني واحدة من الوجوه البرلمانية التي لم تنل بعد ما تستحقه من تسليط الضوء والمتابعة الإعلامية. نائبة يسارية لا تخشى الاصطدام حين يتعلق الأمر بالدفاع عن قناعاتها، وتخوض معاركها السياسية بجرأة واضحة. خلال المناقشات الأخيرة حول القوانين الانتخابية، تقدمت منفردة بما مجموعه 53 تعديلًا، متجاوزة بذلك ما قدمته أغلب الفرق والمجموعات البرلمانية مجتمعة. ورغم أن مقترحاتها لم تُقبل، إلا أن حضورها القوي واجتهادها المستمر في تتبع الملفات الكبرى يمنحانها مكانة خاصة تحت قبة البرلمان، ويؤكدان أن صوتًا مخلصًا ومثابرًا ما يزال قادرًا على صنع الفارق داخل مؤسسة تحتاج إلى مزيد من الحيوية والمساءلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى