التامني تُحذّر: ميزانية الصحة لا تعكس معاناة المغاربة وتوزيع الأطباء غير عادل

حسين العياشي
عادت ميزانية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى واجهة النقاش البرلماني كأحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل. في زمنٍ تتعاظم فيه التحديات الاجتماعية، وتتصاعد أصوات المواطنين المطالبة بحقهم في العلاج الكريم والخدمات الصحية اللائقة. فبين الأرقام الرسمية التي تبشّر بالزيادة، والواقع الذي يشي باستمرار الأعطاب البنيوية، تتبدّى المفارقة الكبرى بين الطموح والإمكان، وبين الشعارات المعلنة والحقيقة التي يعيشها المغاربة في المستشفيات والمراكز الصحية.
في هذا السياق، عبّرت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، عن قلقها العميق من واقع القطاع الصحي، مؤكدة أن ميزانية الوزارة لا توازي حجم الانتظارات ولا جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها، خصوصًا في ظل الورش الوطني الكبير لتعميم الحماية الاجتماعية. وأشارت خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، يوم الثلاثاء، إلى أن الأوضاع الاجتماعية الهشة والاحتجاجات الأخيرة التي أعقبت المآسي في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، وخروج شباب “جيل زد” إلى الشارع، كلها مؤشرات على تصدّع الثقة في السياسات العمومية.
ورأت التامني أن ما وقع من اعتقالات في صفوف شباب رفعوا شعارات مثل “الصحة والتعليم أولًا” و”الحرية لفلسطين” يشكّل إساءة لصورة المغرب وتضييقًا على حرية التعبير، مضيفة بأسف أن “الآلاف من هؤلاء الشباب يقبعون في السجون بدل أن يكونوا جزءًا من النقاش العام حول إصلاح قطاعي الصحة والتعليم”.
وبنبرة ناقدة، أوضحت البرلمانية اليسارية أن الزيادة المعلنة في ميزانية الصحة ذات طابع محاسباتي أكثر من كونها فعلية، إذ تُصرف أساسًا في الأجور ونفقات التسيير، دون أن تنعكس على تحسين جودة الخدمات أو تطوير البنيات التحتية. كما لفتت إلى أن المغرب لا يزال بعيدًا عن المعدل الدولي لتخصيص 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام للقطاع الصحي، متسائلة: متى سيصل المغرب إلى هذا المستوى؟ وهل هناك رؤية استباقية حقيقية لتحقيقه؟.
وأكدت أن الحق في الصحة ما يزال ناقصًا في جوهره، لأن الاستثمار في البنيات والمعدات الطبية لا يوازي حجم العجز القائم، خاصة في المناطق القروية التي تُعاني من ضعف الخدمات وندرة الموارد البشرية. وانتقدت التامني ما وصفته بالتركيز المفرط للأطر الصحية في المدن الكبرى مقابل تهميش المراكز الصحية القروية، معتبرة أن “الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة توزيع العتاد والموارد البشرية بعدالة ترابية تضمن تكافؤ الفرص بين المغاربة”.
وتساءلت في مداخلتها: “هل تُدار الأوراش الصحية المعلنة بمنطق استراتيجي يهدف إلى العدالة وجودة الخدمات، أم وفق منطق الأرقام والعرض السياسي؟”، مشددة على أن الأرقام لا تعكس بالضرورة تحسنًا في الخدمات ولا توازي حجم التطلعات.
وفي ختام مداخلتها، حذّرت التامني من مخاطر المنحى المتزايد نحو خوصصة القطاع الصحي، منتقدة الامتيازات الممنوحة للقطاع الخاص من إعفاءات ضريبية وتحفيزات استثمارية وتسهيلات في الترخيص. واعتبرت أن هذه السياسة تضعف المستشفى العمومي وتناقض مبدأ العدالة الصحية، مؤكدة أن “الصحة ليست سلعة، بل حق أساسي، والدولة هي الضامن الأول له، لا السوق ولا منطق الربح”.





