التداريب الميدانية والبحوث الجامعية: إصلاح مع وقف التنفيذ

 

بقلم: عبد الكريم ناصري

طالب باحث

تعيش الجامعة العمومية المغربية في السنوات الأخيرة على وقع نقاشات متكرّرة حول جدوى الإبقاء على بحوث الإجازة والماستر بصيغتها الحالية، في مقابل تعويضها بتداريب ميدانية، يفترض أن تمنح الطلبة خبرة عملية مباشرة وتقربهم من حاجيات سوق الشغل. هذا الطرح يجد صداه عند فئة من المشتغلين بالشأن الأكاديمي، خصوصا في بعض المسالك المهنية الدقيقة، كالطب والهندسة والمهن شبه الطبية، حيث يشكل الاحتكاك العملي جزءا لا يتجزأ من التكوين.

غير أن اختزال العملية التكوينية برمتها في التداريب الميدانية وحدها، وإلغاء البحوث الجامعية، ينطوي على مخاطر جمة. ذلك أن البحث العلمي ليس مجرد تمرين شكلي ينجزه الطالب لينتقل إلى مرحلة أعلى، بل هو فضاء تربوي يمكن الطالب من اختبار قدراته في صياغة الإشكاليات، وتنظيم المعطيات، وبناء الحجج، واستعمال المناهج النقدية. ومن ثم، فإن تعويضه بتجربة تطبيقية محضة قد يفضي إلى جيل متمكن من بعض التقنيات، لكنه يفتقر إلى أدوات التفكير والتحليل العميق.

إن ما يضعف البحث الجامعي في المغرب ليس وجود هذه البحوث في حد ذاته، وإنما ضعف شروط إنجازها: قلة الأساتذة، محدودية التأطير، ندرة المصادر، وعزلة الجامعة عن محيطها المؤسسي. كثير من الطلبة يجدون أنفسهم في مواجهة جدار الصمت عند محاولة الحصول على معلومات من الإدارات العمومية أو المقاولات، ما يجعل أبحاثهم فقيرة في المعطيات وضعيفة في الأثر. والحل هنا لا يكمن في إلغاء البحوث، بل في خلق جسور تعاون مؤسساتية تتيح للطالب الولوج إلى المعلومات، وتدعم الأستاذ في مهام التأطير، وتمنح البحث الجامعي قيمة مضافة حقيقية.

أما الرهان على التداريب الميدانية كبديل مطلق، فيفترض مسبقا أن الإدارات العمومية والشركات قادرة ومستعدة لاحتضان آلاف الطلبة سنويا، وتوفير التأطير اللازم لهم. وهو افتراض مثالي بعيد عن الواقع، بالنظر إلى محدودية هذه المؤسسات، وضعف ثقافة التشارك لديها، فضلا عن الذهنيات المحافظة التي ما تزال تعتبر المعلومة “سرا مهنيًا”. بل إن التداريب قد تتحول إلى مجرد حضور شكلي للطالب في المرفق الإداري أو المقاولة، دون استفادة فعلية أو إضافة معرفية.

وعليه، فإن الحل الأمثل ليس الإلغاء ولا التعويض، وإنما الدمج: تعزيز البحوث الجامعية بتداريب موازية، تسمح للطالب بتجريب ما تعلمه ميدانيا، وتمنحه في الوقت نفسه فرصة بناء مشروع بحثي متكامل، على أن يتم ذلك ضمن رؤية إصلاحية واضحة، تحدد أدوار الجامعة والإدارة والمقاولة، وتوفر الآليات العملية للتأطير والتتبع.

فمن دون هذا التكامل، ستظل هذه الإجراءات مجرد شعارات إصلاحية تفتقد لشروط النجاح، تماما كما حدث مع تجارب سابقة في الرقمنة والتحديث الإداري داخل الجامعة العمومية، حيث ظل التطبيق متذبذبا بين الطموح والواقع، وبين الخطاب والممارسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى