التعليم الابتدائي بالمغرب.. أزمة بنيوية تعكس فشل الإصلاحات

اعلام تيفي

ل.شفيق-اعلام تيفي

مع اقتراب كل دخول مدرسي، يعود ملف التعليم الابتدائي بالمغرب إلى واجهة النقاش العمومي، محاطًا بالكثير من القلق والتساؤلات. فبدل أن تشهد المدرسة المغربية انفراجًا يعيد الثقة في قدرتها على تكوين أجيال المستقبل، تتصاعد الأصوات المحذرة من استمرار نفس الاختلالات البنيوية التي تراكمت لعقود.

المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد كانت من بين الجهات التي رفعت الصوت عاليًا هذه السنة، معتبرة أن “فوضى المناهج الدراسية وارتفاع أسعار الكتب” باتا يهددان بشكل مباشر الحق الدستوري في التعليم، ويثقلان كاهل الأسر بأعباء مالية إضافية، دون أي مردودية حقيقية على مستوى التحصيل الدراسي.

عبء اقتصادي متزايد

تؤكد المنظمة أن أسعار الكتب المدرسية تعرف ارتفاعًا متواصلًا سنة بعد أخرى، في غياب معايير واضحة أو مراقبة صارمة. هذا الوضع جعل الأسر، خاصة من ذوي الدخل المحدود، تواجه صعوبات متزايدة في تأمين مستلزمات أبنائها التعليمية. ومع غياب أي سياسة عادلة لتسعير الكتب وضمان وصولها لجميع الفئات، يتحول الحق في التعليم إلى امتياز طبقي بدل أن يكون حقًا مكفولًا للجميع.

مناهج غير مستقرة

لكن الأزمة ليست فقط في الجانب المادي. فالمناهج الدراسية، خاصة في التعليم الابتدائي، ظلت رهينة قرارات مرتجلة وتجاذبات إيديولوجية، ما أفرز حالة من الارتباك لدى التلاميذ والمدرسين معًا. المنظمة شددت على أن غياب تقييم علمي وموضوعي لهذه التغييرات جعل العملية التعليمية أشبه بسلسلة من التجارب غير المكتملة، بدل أن تكون مشروعًا إصلاحيًا متكاملًا.

فشل متكرر لشعارات الإصلاح

المفارقة أن كل هذه الاختلالات تأتي في سياق سنوات طويلة من الخطاب الرسمي حول “إصلاح التعليم”. لكن على أرض الواقع، لم تُترجم هذه الشعارات إلى نتائج ملموسة، بل على العكس، كشفت محدودية المقاربات الفوقية التي تجاهلت إشراك الفاعلين التربويين الحقيقيين. وهو ما دفع المنظمة إلى التأكيد أن الكرة لم تعد في ملعب الوزارات وحدها، بل في ضرورة بناء رؤية استراتيجية تتجاوز الحسابات الضيقة.

الحاجة إلى إرادة سياسية

المنظمة دعت إلى تدخل عاجل وشامل يعيد الاعتبار للتعليم الابتدائي باعتباره القاعدة الصلبة لأي نهضة تربوية مستقبلية. وشددت على ضرورة إقرار آليات جديدة وشفافة لإعداد المناهج والبرامج، وإطلاق نقاش وطني موسع ينخرط فيه مختلف الفاعلين من أسر وتربويين وخبراء.

غير أن السؤال الجوهري يظل معلقًا: هل تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لوقف هذا النزيف؟ فإصلاح التعليم، كما ترى المنظمة، لن يتحقق بالشعارات ولا بالحلول الترقيعية، بل بقرارات شجاعة تضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار، وتجعل من المدرسة المغربية فضاءً للمعرفة والتكوين، لا ساحة لصراع المصالح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى