الجنسية المغربية بين القانون والإشاعة: تفكيك مزاعم منح الجنسية للأفارقة والاسيويين

د.يوسف الادريسي الحسني*
*رئيس الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الانسان -باريس
لقد راجت في الآونة الأخيرة دعاية سطحية تزعم أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أصدر قرارا بمنع منح الجنسية المغربية للأجانب الأفارقة والآسيويين المتزوجين من مغربيات. وهذه المزاعم، وإن بدت جذابة لأصحاب الخطاب الشعبوي، فإنها لا تقوم على أي أساس قانوني أو واقعي، بل تكشف عن جهل فاضح بمساطر الجنسية وبالنظام الدستوري المغربي.
فالجنسية في المغرب ليست مسألة سياسية ظرفية، ولا هي امتياز شخصي يمنحه وزير أو يحجبه بقرار إداري، وإنما هي مؤسسة قانونية محكومة بظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.58.250 الصادر سنة 1958، والمعدل والمتمم بمقتضى قوانين لاحقة، حددت على سبيل الحصر شروط اكتساب الجنسية والسلطات المختصة بالبت فيها.
من يروج لهذه الإشاعة لا يميز في الأصل بين اختصاصات وزارة الخارجية واختصاصات وزارة العدل، ولا يدرك أن أي تعديل على مدونة الجنسية المغربية لا يمكن أن يصدر بقرار إداري أو بتعليمات وزير، وإنما لا بد أن يمر عبر البرلمان بغرفتيه، وفق مسطرة التشريع العادية، ثم يعرض على المجلس الوزاري قبل أن يصل إلى جلالة الملك الذي يملك وحده سلطة الإصدار بظهير شريف. وبالتالي، فإن الزعم بأن وزير الخارجية أصدر “قرارا” بمنع منح الجنسية يفضح جهلا مزدوجا: جهلا بالاختصاصات الدستورية للوزارات، وجهلا بمسار صناعة القانون في المغرب.
النصوص واضحة: طلبات الجنسية تقدم إلى وزارة العدل، حيث يتم فحص شروط الأهلية المتعلقة بالإقامة والمعاشرة الزوجية والاندماج. بعد ذلك تحال الملفات إلى وزارة الداخلية لإجراء التحريات الأمنية والإدارية الضرورية، ثم ترفع إلى رئيس الحكومة الذي يقترح على جلالة الملك إصدار ظهير شريف بالمنح أو الرفض.
القرار النهائي إذن سيادي يصدر عن الملك، ولا وجود في أي فصل أو مادة لاختصاص لوزارة الخارجية في منح الجنسية أو منعها. دور هذه الوزارة يظل إداريا تقنيا يتمثل في المصادقة على الوثائق الصادرة بالخارج أو التحقق من بيانات الأجانب عبر التمثيليات الدبلوماسية. أي أن القول بأن وزير الخارجية بوريطة منع الجنسية عن الأفارقة والآسيويين لا يعدو كونه دعاية باطلة تنسب اختصاصا وهميا لسلطة لا تملكه أصلا.
ثم إن الإشاعة تكشف عن جهل آخر: فالمغرب لم يعرف قط تمييزا تشريعيا أو إداريا ضد جنسية معينة أو قارة معينة في مجال التجنيس. لقد حصل مئات الأجانب من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا على الجنسية المغربية في مساطر قانونية عادية، بما في ذلك أجانب متزوجون من مغربيات.
لو كان هناك قرار إداري كما يزعمون لمنع هذه الفئة بالذات، لكان أول المتضررين قد لجؤوا إلى القضاء الإداري الذي يملك سلطة إلغاء أي قرار خارج عن المشروعية. غير أن السجلات القضائية تكاد تخلو من طعون جدية في هذا الموضوع، وهو ما يؤكد أن ما يروج لا يتعدى أن يكون خطابا إعلاميا يفتقر للدليل.
من الناحية الدستورية، الدرس الذي يجب أن يستوعبه مروجو هذه الأخبار أن المغرب تبنى في دستور 2011 مبدأ فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يمكن لوزير أن يستحوذ على اختصاص لم يمنحه له القانون. وأي تدخل خارج إطار النصوص يعتبر انحرافا في استعمال السلطة، وهو أمر خاضع لرقابة القضاء. ومن ثم فإن اتهام وزير الخارجية بأنه يمنع جنسية عن الأفارقة أو الآسيويين لا يعدو كونه افتراء يسيء إلى صورة المؤسسات وينشر البلبلة بين المواطنين والأجانب المقيمين على حد سواء.
إن الرد القانوني الرصين يفرض أن نقول بوضوح إن الجنسية المغربية ليست رهينة بمزاج وزير أو تعليمات وزارة، وإنما هي مركز قانوني سيادي تحسمه نصوص آمرة وظهير ملكي سامي. فالتجنيس حق يفتح بابه أمام كل من استوفى الشروط، والرفض لا يتم إلا وفق أسس قانونية محددة. أما الإشاعات التي تحاول أن تجعل من الدبلوماسية وزارة تمنح أو تمنع الجنسية فهي محاولة مكشوفة لإقحام أسماء وشخصيات في قضايا لا تدخل ضمن صلاحياتها.
وهكذا يصبح الدرس الأكبر لأصحاب الإشاعات أن القانون ليس لعبة، والجنسية ليست سلعة في يد وزير، وأن احترام النصوص والتاريخ القضائي والمسار التشريعي هو السبيل الوحيد لفهم هذه المؤسسة السيادية. أما من يصر على ترديد أن بوريطة منع الأفارقة والآسيويين من الجنسية المغربية، فإنه لا يروج سوى خطاب باطل يسقط أمام أول قراءة لنصوص مدونة الجنسية، التي ظلت منذ 1958 المرجع الوحيد في هذا المجال، بعيدا عن الدعاية والمزايدات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى