
حسين العياشي
صادقت المجلس الحكومي، اليوم الخميس، على أحد عشر مرسوماً لتعميم تجربة المجموعات الصحية الترابية على مختلف الجهات. ورغم أن القرار يبدو، على الورق، خطوة نوعية، إلا أن أسئلة كثيرة تفرض نفسها حول قدرة النموذج على تجاوز اختلالات مزمنة ظلت تُعيق المنظومة الصحية لعقود.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، تحدث بثقة عن نجاح التجربة في جهة طنجة–تطوان–الحسيمة، وعن كون المجموعات الصحية الاثنتي عشرة تمثل تحولاً جوهرياً في هيكلة القطاع. غير أن هذا الطرح، رغم وجاهته من حيث المبدأ، يصطدم بواقع يراوح مكانه في مستشفيات عديدة، حيث العجز في الموارد البشرية، ونقص التجهيزات، وتفاوت العرض الصحي بين الجهات، ما يجعل توسيع التجربة على الصعيد الوطني تحدياً أكبر مما قد يبدو في البلاغات الرسمية.
فالحكومة تتحدث عن الانتقال من المركزية إلى اللامركزية كمنقذ سحري، لكن التجربة الميدانية تُظهر أن الإشكال لم يكن دائماً في نمط التدبير بقدر ما كان في ضعف الالتزام بالحوكمة، وغياب التنسيق، وتأخر الإصلاحات الجوهرية. وعليه، فإن نجاح تجربة واحدة لا يكفي لإثبات جاهزية المنظومة لاستقبال نموذج جديد على نطاق وطني، خاصة أن الجهات تختلف في بنياتها، وحجمها السكاني، وواقع مؤسساتها الصحية.
بايتاس أشار إلى أن المجموعات الصحية ستحدث “نقلة نوعية”، وأن الانتقال من مرحلة التجريب إلى التعميم يعكس رؤية واضحة للإصلاح. لكن السؤال الذي يتجنبه الخطاب الرسمي هو: هل يكفي تغيير البنية التنظيمية وحده لرفع جودة الخدمات؟ وهل سيتم فعلاً توفير الموارد البشرية والتجهيزات الضرورية، أم سنجد أنفسنا أمام هياكل جديدة تعمل بالأدوات القديمة نفسها؟
النموذج التجريبي بطنجة–تطوان–الحسيمة، الذي يضم حوالي 300 مؤسسة صحية، استفاد من تدبير موحد وموارد موجهة بعناية. لكن تعميم التجربة على 11 جهة أخرى يعني تكاليف ضخمة، وإعادة هيكلة دقيقة، وضمانات حقيقية للشفافية والتتبع، وهو ما لم توضح الحكومة آلياته بما يكفي، مكتفية بالحديث عن النجاعة واستمرارية الخدمات.
أما بخصوص موعد اشتغال المجموعات الجديدة، فقد ربطته الحكومة بانعقاد أول مجلس إدارة لكل مجموعة، ثم الانتقال إلى التنفيذ الفعلي “وفق المذكرة التنظيمية”. غير أن التجربة المغربية مع المذكرات التنظيمية تجعل المتتبع يتعامل بحذر مع هذا النوع من الالتزامات الزمنية، التي كثيراً ما تتعثر عند أول اختبار ميداني.
في نهاية المطاف، لا يمكن إنكار أهمية إصلاح المنظومة الصحية، ولا قيمة الرؤية التي تقوم على اللامركزية وتجويد الحوكمة. لكن النجاح لن يتحقق بالمرسوم وحده، بل بتوفير الإمكانيات، وضمان العدالة المجالية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، واحترام الجدول الزمني، والأهم: إصغاء حقيقي لحاجيات المواطنين بدل الاكتفاء بالشعارات الإصلاحية.





