الخبز في خطر والماء يُهدر من أجل “الأفوكا” هل يضحي المغرب بأمنه الغذائي؟

حسين العياشي
يواصل نموذج فلاحي اختار الربح على حساب الحاجة دفع البلاد نحو المجهول، بينما يُعاني ملايين المغاربة من تقلب أسعار الحبوب. فبحسب أحدث تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، لن تتجاوز المحاصيل الوطنية من الحبوب خلال موسم 2025 سقف 4 ملايين طن فقط، أي بتراجع يصل إلى 27% مقارنة بالمعدل السنوي.
تراجع كارثي تعزوه المنظمة إلى عجز مطري تجاوز 60% في مناطق حيوية مثل فاس-بولمان، الغرب، الدار البيضاء الكبرى وطنجة-تطوان.
أزمة المياه تتفاقم للسنة الثانية على التوالي، بينما تواصل الحقول امتصاص ما تبقى من الفرشات المائية لري محاصيل تصديرية لا تُطعم المغاربة، كالأفوكادو، الفراولة، البطيخ والخيار.
في ظل هذا الجفاف المزمن، ستضطر المملكة إلى استيراد حوالي 11 مليون طن من الحبوب خلال موسم 2025-2026، بزيادة مقلقة تناهز 20% مقارنة بالمتوسط. ولتفادي انفجار اجتماعي محتمل بسبب ارتفاع أسعار الخبز، اضطرت الحكومة إلى تمديد دعم استيراد القمح اللين إلى نهاية العام.
لكن المفارقة الصادمة تكمن في أن البلاد التي تستنجد بالخارج لتأمين خبزها اليومي، تُغرق أراضيها بمياه نادرة من أجل ري منتجات موجّهة بالكامل للتصدير نحو الأسواق الأوروبية. فبينما تُقنن المياه في القرى والبوادي، تُستنزف الآبار والفرشات المائية في مزارع كبرى تستحوذ عليها شركات تجارية تُراكم الأرباح في الحقول وتترك القرى عطشى.
إنه نموذج فلاحي يُوصف أكثر فأكثر بأنه “انتحاري”، يُفضل إنتاج الكماليات للأغنياء على تأمين الضروريات للشعب. نموذج يُحول المغرب إلى “مزرعة تصدير ضخمة”، تستورد خبزها وتُصدر ماءها. والأخطر من ذلك، أنه لا يأخذ بعين الاعتبار تقلبات السوق العالمية، ولا هشاشة المناخ، ولا تصاعد موجات الجفاف.
ما يحدث اليوم ليس مجرد ناقوس خطر. إنه تهديد استراتيجي، فترك الفلاحة تُدار بمنطق الربح السريع، يعني التمهيد لأزمة غذائية كبرى في الأفق. لا يكفي دعم الخبز إن لم نغيّر السياسات التي تُجفف آبارنا من أجل البطيخ وتُهدر مياهنا على الأفوكادو.
القمح يجب أن يعود إلى مكانته الاستراتيجية. الماء يجب أن يُحمى كأولوية وطنية. والخبز يجب أن يكون حقًا مضمونًا، لا سلعة خاضعة لتقلبات السوق. لا يزال هناك متّسع للتدارك، لكن الوقت ينفد.
هل نعيد رسم سياساتنا الزراعية وفق حاجاتنا الوطنية؟ أم نواصل زرع الفاكهة للأغنياء وجني المجاعة للفقراء؟





