الدار البيضاء تُرمم ما تبقّى من ذاكرتها بتهيأة مقاطعة المعاريف

حسين العياشي

انتهى أمس، الجمعة، المسار العمومي الذي فتحته جماعة الدار البيضاء قبل شهر بشأن مشروع تصميم تهيئة مقاطعة المعاريف، في خطوة تُعدّ حاسمة لرسم ملامح المشهد العمراني للمنطقة خلال العقد المقبل. على مدى ثلاثين يومًا، وتحديدًا من 11 شتنبر إلى 10 أكتوبر الجاري، كان سجلّ الملاحظات مفتوحًا أمام العموم، خاصة من الملاك والمهنيين، بمقر المقاطعة والجماعة، لاستقبال آرائهم ومقترحاتهم حول المشروع الذي سيحدد مستقبل واحد من أكثر أحياء العاصمة الاقتصادية حيوية.

المشروع، الذي يُنتظر أن يشكّل خريطة طريق للتنمية الحضرية في المعاريف، يسعى إلى التوفيق بين الحفاظ على الطابع المعماري التاريخي للمنطقة، وبين متطلبات التطور العمراني السريع واحتياجات السكان المتزايدة. ويؤكد عبد الصادق مرشد، رئيس مقاطعة المعاريف، أن الوثيقة الجديدة تحمل رؤية متجددة تستجيب لرهانات التوسع، مع التركيز على تأهيل البنية التحتية وتوفير تجهيزات عمومية متكاملة.

أحد أبرز المحاور في هذا المخطط يتعلق بالمنطقة المحيطة بالمركز الاستشفائي الجامعي، التي تضم كليات الطب وطب الأسنان والمستشفى النفسي. هذا الفضاء، الممتد على مساحة تناهز 56 هكتارًا، يفتح الباب أمام إمكانية إحداث قطب طبي متكامل على شاكلة الأقطاب الجامعية الكبرى في الرباط أو طنجة أو أكادير. ويؤكد رئيس المقاطعة أن الوعاء العقاري المتوفر في هذه المنطقة يمكن أن يسمح لوزارة الصحة، إذا رغبت، بإعادة هيكلتها أو تأهيلها بشكل شامل لتتحول إلى فضاء صحي وعلمي متكامل يخدم الدار البيضاء والجهة برمتها.

أما المشروع الثاني فيمسّ العقار الذي تشغله حاليًا شركة النقل “ألزا”، والمستعمل كموقف ضخم للحافلات. وقد خصّ المخطط هذا الموقع بتحول جذري، إذ يقترح تحويله إلى منطقة ابتكار تحت اسم “Maarif Tech”، تُبنى على أسس التنمية المستدامة والتكنولوجيات الخضراء. هذه المنطقة، التي يتوقع أن تشكل متنفسًا تكنولوجيًا جديدًا داخل المدينة، ستُسهم أيضًا في تخفيف الضغط المروري عن مركز المعاريف وتحسين انسيابية التنقل في محيطه.

المحور الثالث لا يقل رمزية ولا حساسية: يتعلق بسوق “جوطية درب غلف”، أحد المعالم التجارية والشعبية الأشهر في الدار البيضاء. المخطط الجديد يتيح إمكانية إعلان هذه المنطقة “ذات منفعة عامة”، تمهيدًا لإطلاق مشروع شامل لإعادة تأهيل الجوطية ومحيطها العمراني. خطوة طال انتظارها من قبل تجار المنطقة وسكانها، وقد تشكّل بداية فعلية لانتقالها من فضاء عشوائي مزدحم إلى مركز تجاري منظم يحافظ على روح المكان ويمنحه نفَسًا جديدًا.

وعلى مستوى الأحياء السكنية، يطال التغيير فقط حيّي “فرانسفيل” و”تونتوفيل”، حيث يقترح المخطط تحوّلهما التدريجي من نمط الفيلات الفردية إلى عمارات من نوع R+3، في حين ستحتفظ باقي الأحياء بطابعها السكني الأصلي حفاظًا على التوازن العمراني والمعماري للمقاطعة.

كما يتضمن المخطط تعزيز المرافق العمومية عبر إحداث فضاءات خضراء جديدة، ومستوصفات، ومناطق تجارية للقرب، ومرافق اجتماعية وثقافية، بما ينعش الدورة الحضرية في منطقة تعاني محدودية العقار وازدحامًا خانقًا.

بهذا، يرسم مشروع تهيئة المعاريف معالم طموح جديد لجعل المنطقة فضاءً حضريًا متوازنًا يجمع بين التاريخ والمعاصرة، وبين الوظيفة الاقتصادية والحياة الاجتماعية. ومع انتهاء مرحلة البحث العمومي، تدخل الدار البيضاء مرحلة التقييم التقني والإداري للملاحظات المقدمة، قبل اعتماد النسخة النهائية من هذا المخطط الذي قد يُعيد تعريف صورة المعاريف خلال السنوات العشر المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى